الأربعاء، ١ يونيو ٢٠١١

بركان الميكروب الطائفى

بركان الميكروب الطائفى

تعنونت صفحات الجرائد فى الآونة الاخيرة بكل ما يجمع طرفى الامة فى خبر واحد يكاد يكون البعض منها مستفزاً .. او يكاد يكون تحريضيا .. او يكاد يكون موضوعياً والاهم من ذلك ان ما يلى تلك الاخبار من تعليقات يدل على ان البلد فى حالة بركان ينتظر بعد الشقوق القليلة لينفجر و يثور ولا يكبح جماحه الهائج سوى القدر الذى لا يعلم ماذا يخفى لنا لاحقا او فى الفترة الآونة القليلة ، فكلما زادت شقوق ارض الامة الواحدة التى تعيش عليها كلما اوشك البركان على الانفجار.

واذ دققنا النظر قليلاً فى اسباب تغلغل ال(لافا) البركانية وجدنا احد اهم اسبابها –فى وجهة نظرى – الجهل..

فمن الوهلة الاولى عند النظر فى هذا الملف يتضح امامك ان هناك نار دفينة فى صدر كل من القبطى والمسلم تجاه الآخر فى انتظار و تربص لقطرة بنزين تزيد من اشتعالها .. واذا رجعنا وسألنا ما وراء هذا ، وجدنا ان الاجابة عليها فى اجابات ليست بقليلة لكن هامة ..

أهمهما غياب الثقافة الدينية تجاه الآخر ، الجار الذى يعيش بجانبى ونتقابل سوياً ونرسل لبعضنا المعايدات ونهنئ بعضنا فى المناسبات وصديقى فى العمل والدراسة التى نغوصها سوياً باختباراتها ودراستها ونتشارك سوياً فى المرور بالامتحان وينتابنا نفس الشعور فى النجاح بتقدير او مرور الكرام بتقدير المقبول وشعور الاسى والحزن اذا فشلنا .. وندعو لبعضنا بالشفاء اذا مرض احدانا ونتمنى الخير لبعضنا اذا افترقنا فى الطريق ..

ربما يعرف صديقى الكثير عن احوالى عن علاقتى باسرتى وعن علاقتى باصدقائى .. وربما يدرك اسراراً لا يعلمها احدا من اهلى ولا حتى اخوتى .. ولكنه لا يدرك اهم علاقة تحكم وتقود الانسان نفسه ، فهو لا يعلم علاقتى بالهى .. وهل انا اعبد الله الواحد الذى لا شريك له ، ام أعبد كما يسمع كثيراً ثلاثة الهة ..

هل يفقة هذا الاخ الحبيب من اعبد حقا؟؟ وما هى ديانتى وما هى تعاليمها ؟؟

وهل انا كما اسمع حقاً ان الاسلام دين السيف والقتل وان الدين السلامى يامره بقتلى وسفك دمى!!!

ام ما يدركه اخى المسلم وانا فقط هو بعض الرتوش التى تخترق آذاننا وسط زحام الخطابات الدينية والفضائيات والصحف التى تصب اهتمامها على سعة رزقها ولا يهمها نفر من ابناء الوطن ولا الوطن نفسه!

ان كانت الدولة تسعى لاخماد نيران تلك الوقود المنشعلة فعليها من البداية ان تعلِّم كلا الطرفين من هو ذلك الغريب الآخر الذين يعيشان سوياً فى نفس المكان ونفس العمل والدرسة ويتقاسما حياتهما فى حب ذلك الوطن والدفاع عنه بدماهما .

فعلى سبيل المثال ينبغى جيداً ان يعرف المسلم ان كثير من المصطلحات التى يسمعها هو تختلف فى المعنى كليا عن استخدامها فى المسيحية ..

فكلمة "الجهاد" .. عندما يسمعها الاخ المسلم ياتى فى ذهنه الاستعداد الكامل للدفاع عن دين الله بالسيف والقلب وبكامل قوته ..

ولكن "الجهاد" فى المسيحية عندما تُذكر فهى تعنى الجهاد ضد خطايا العالم وحروب ابليس الشريرة..

وأيضاً كلمة "الاستشهاد" ..فعند المسلم اذا ذكرت تفيد ذات المعنى لكلمة الجهاد مع الفوز بالاستشهاد اذا قتل فى المعركة .. اى الدفاع عن الدين او الاهل او الوطن بكامل قوته وبدمه وان قتل فله الفوز الكامل بأجر عريق عند الله سبحانه وتعالى وله كرامة غالية وهو ان يشفع فى 70 من اهل بيته .

اما كلمة "الاستشهاد" ان ذكرت فى المسيحية فهى تعنى "الاضطهاد حتى القتل من اجل المسيح " اى هى تسليم النفس بكامل ارادتها للموت من اجل المسيح دون اى دفاع عن نفسها .. لان شهوتها هى ان تعبر للحياة الاخرى المجيدة ونيل اكليل الشهادة فالموت بالنسبة للمسيحى كأسا لذيذا يرتشفها سعيدا راضيا بل يسعى إليها عن حب ويتعجلها، لان الموت بالنسبة له جسر ذهبي ومعبر يعبر به من حياة قصيرة وغربة مؤقتة الى سعادة أبدية دائمة وثوبا لا يفني ولا يتدنس ولا يضمحل.

وان سمعها المسلم تقال من فم احد رجال الدين المسيحى ربما يرد فى ذهنه المعنى الاسلامى وتسرى فى مخيلته ان الكنائس ذخيرة ممتلئة بالاسلحة والمتفجرات وانها دولة اخرى منفصلة عن الام مصر فيكن بداخله كثير من الحقد كرد فعل طبيعى لفهمه الخاطئ .

كذلك بالنسبة للمسيحى حين يسمع آية واحدة وهى :

قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (التوبة:29)

ينفجر غضباً ويعلن عداوة الاسلام ليه ولا يدرك ان هذه الآية طبقاً لتفسيرات كبرا علماء المسلمين انتما تدل على رد فعل وليس فعلاً

اى رد فعل على المعتدين..

وغفل دعوة الاسلام المتسامحة للسلام :

ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين " 99 / يونس

" ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن "

" والله يدعوا إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم" 25/ يونس

وقاتلوا في سبيل اللــــه الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين

فالكثير من المعانى التى لا يدركها الشقيق المسلم الذى يحيا تحت سماء هذه البلد يستنتج معناها طبقاً لخلفيته الاسلامية وهو لديه كل الحق ومعذور فلم تتاح له الفرصة ابداً من الدولة الام التى تعول اولادها ان يعرفوا بعض المعرفة القوية وان تعرّف المسيحى سلامة قلب اخيه تحوه .. وان تعرف المسلم ان شقيقه المسيحى انما يتقاسم معه ذات العبارات التى يعنيها هو مثل "ان شاء الله " .. "الحمد لله " .. وقد يقول عين العبارات التى تتفق معه شكلا وتختلف مضموناً وقد ذكرنا منهما كلمتين اثارتا ضجة فى الفترة الاخيرة على سبيل المثال لا الحصر

وكذلك كثير من الآيات التى يحفظها المسيحى عن ظهر قلب تهاجمه وتظل فى صدره ونسى ان القرآن الكريم كتاب وليس آية واحدة

ولا لوم على احدهما فى ذلك عسر الفهم، بل اللوم على كل من لا يفقه فى دين الآخر شئا ويدعى ادعاءات باطلة من الطرفين تشعل نيران البركان المدفون .. ويكون سببها البسيط "سوء فهم" .. وتتراكم المشاعر الدفينة لمجرد " سوء فهم " ..

فهل العلاج هو أحضان الشيخ والقسيس وتلامس الذقون وتبادل القبلات وظهور الابتسامة الصفراء لكل منهما فى صور الصحف البيضاء (صفراء مضموناً) تتصدرها ..

ام هى اقتلاع جذور الجهل ونشر المعرفة عن المسيحى القبطى الذى يحيا بجانب اخيه المسلم القبطى* ويتقاسما الحياة فى السكن والدراسة

والوظيفة والدفاع عن الوطن ..

وحذف من المناهج الدراسية ما يخلق مناخا شائبا بين المسلم واخيه المسيحى

ونشر الوعى الاسلامى المسيحى فى كل وسائل الاعلام .. عن من هو ذلك الغامض الحبيب الذى يحيا ويتقاسم الحياة مع اخيه المصرى ! ويعبد معه الله الواحد الذى لا شريك له ويدعو للوطن معه بالبقاء والنصر ويدافع عنه ايضا بروحه ودمه ، ومحاربة كل من يشعل نيران تلك الوطن ليس بالتكفير ولا الهجوم ولكن بمنح حق الرد والرد الآخر بكل محبة واحترام

ومحاسبة كل من يفسر آيات كتاب الله على اهواءه طيقاً لحقده الدفين ..

ان اسس الدفاع عن الوطن فى الديانتين واجب دينى و قومى ، وعلى كل انسان منا ان يدافع عن وطنه و يدرك ان ليس كل ما يقال من اهل الرأى منزَل به من الله حتى وان قيل من اصحاب العمم البيضاء والعبايات السوداء .. فالعقل زينة والله فى الاسلام امر باعمال العقل .. وفى المسيحية دعى الى اختبار الارواح ومقارنته بتعليم الانجيل ..

وان كان هناك من لا يستطع ان يعمل عقله فعلى اهل الدين من الطرفين ان يعملوا عقولهم فى تصاريحهم المشعلة للنيران .. فان كنا نلوم رجال الدين بعض الشئ .. فلومى الكبير لتلك الام القاسية التى تعالج الاشكالات بالمسكنات ولا ترهق نفسها قليلا فى ان تقتلع ذلك الميكروب السارى فى جسم الوطن .. الذى ان سكن بعض الشئ زادت اعراضة مضاعفة واصولة اعمق واعمق .!

--------------------------------------------

*قبطى = مصرى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق