الأربعاء، ٢٤ أغسطس ٢٠١١

الليبرالية لأولاد الباشاوات فقط !


الليبرالية لأولاد الباشاوات فقط !

معلومة هبلة : "اللبن للأطفال والطعام للبالغين"

هذه المعلومة البديهية التى يتعلمها الانسان بالفطرة ، لا تقتصر ابدا على ذلك اللبن الذى يسيل من ثدى المرأة لولدها ، لكن ذلك اللبن هو كل ما يتناسب مع الطفل ان تعطيه .. فهى تسقيه (ماء ولبن ) ،، وتعلمه (ما..ما ...با...با...امبوووو ) ، وتبتسم له وتأخذه فى حضنها فيفهم الطفل رسالتها بأمان .. ومع العمر تنضج اسنان الطفل على مهل ، فيبدأ بابتلاع جميع السوائل حتى ينضج الطفل تماما ويستطيع ان يلتهم كل ما يقدم له ..
العقل البشرى يشبه تماما أسنان الطفل ، فليس كل ما يدخل اليه يستطيع مضغه والتهامه وهضمه ، فعندما تتحدث له بلغة تختلف عن لغته ، لن يقف أمامك وينصت اليك ويستمتع بجهله ، بل سرعان ما يتركك او يتجاهلك او يغير مجرى الحوار ولن يستمر فى حديث ينتقص من فهمه وقدرته على الاستيعاب ، لأن كبرياؤه لا يسمح له بالاستمرار ويعطى لك قفاه برسالة ( امشى يا اهبل .. بيقول ايه دا ؟؟ ) .
كنت مشاركا فى احدى حركات التوعية المدنية فى الشارع وقد قمنا بعمل ندوة فى عين الصيرة استقبلنا فيها سفيرا سابقا ومخرجا تلفزيونيا ومذيعة تلفزيونية وأحد النشطاء ، وانعقدت الندوة .. حتى فوجئنا فى لحظة قد قصمت ظهر البعير وهى زحف الكثير من القاعة بانتظام وبتتابع وتسلسل منتظم فى ظهور القفا واحدا وراء الآخر خارجاً ، ربما اذا كنت انا فى موقع المتحدث لتصدد من جبينى العرق من هول المفاجأة .. لقد كانت الكلمات الملقاة جميلة حقا ولكنها (أفرنجية) .. (فيس بوك – ايديولوجيات – قوس قزح – تويتر – ائتلافات - .....) تلك الكلمات التى يسمعها الفقير وهو ليس منشغل الا بعشاء اولاده السبعة و ما عسى ان يفعله فى فاتورة الكهرباء الواقعة فى الديون منذ فترة ؟؟ وهو مهدد بالطرد من بيته هو وأسرته فلا يستطيع ان يوفر ب 200 جنيه شهريا كل معيشة هؤلاء ، علاوة على مرض ابنيه الصغيران وعدم قدرته على علاجهما الأمر المؤرق له ولوزجته ، وهو الآن ترك بيته كى يضيع وقته فى مصطلحات افلاطونية لن تسدد ديونه وتجلسه فى بيته آمناً .. وانتظرت حتى انتهت تلك الندوة بألفاظها الغير مفهومة للعامة حتى جاءت فقرة اسئلة الجمهور ، وما ان اعطينا "المايك" لإحدى الحاضرين حتى انفجرت كبركاناً هائجا بسيل من الشكوى والألم الذى يلحق بها ، وروت لنا رواية  - مشابهة للتى فى عقل معظم الحضور-  مملوءة بالشكوى من الفقر المدقع والمرض الغير مشفى والمرتب المهين لها ولكرامتها ولم تعلق بكلمة واحدة عن تلك المحاضرة الأعجمية.
تفتقر معظم وسائل المجتمع المدنى من الوسائل المناسبة للتحدث مع عامة الشارع ، فالقنوات التلفزيونية غالبا ما تمتلئ اعلانات الطبقة الراقية ( روميرو (جبنة دى ولا لانشون ) – دايم – ماكدونالدز – شيفروليه – قطونيل (بيقولو بوكسر – هو دا غير اللبا....؟؟؟؟) – كيمو كونو والبلاى ستيشن ( زى الأتارى كده) ..  ) وتلك الاعلانات وهذه الصورة التى تحدثه عن متعة الحياة وعيش اللحظة ،  تجعل الفقير البائس المسكين الذى يستدين لدفع فاتورة الكهرباء ، ينصرف عن مشاهدة تلك القنوات المسببة لآلامه النفسية الدفينة بل يشعر بحقد طبقى تجاه هؤلاء الذين يتحدثون عن البيتزا ودايم والأسعار الباهظة ، ويشكل فى فكره رفض تام لكل هؤلاء أصحاب البادلة الشيك والكرافات الواو والميكروفونان (الذى اسماهم بالنخبة )،  ويذهب وراء تلك القنوات التى تخاطبه بلغته كالتلفزيون المصرى وقناة عكاشة التى نشعر نحن - اولاد البطة البيضاء - انها قنوات (بيئة ) ويستمتع باعلانات برسيل واريال (والراجل اللى جوه الهدوم ) والاطعمة المناسبة لحالته ، والقنوات الدينية التى تخاطبه فى صميم قلبه وعقيدته واعلاناتها عن الغسالة (المستعملة والثلاجة اللى لسه حتة واحدة وفروست بس شغالة ! )

صورة المدنية والليبرالية التى يعرضها البائعون فى القنوات الخاصة بشكلها المغرى (لأولاد الباشاوات) ، لابد حقا ان تترجم لأهل الشارع وال 40 مليون الذين تحت خط الفقر بالاباحية والبنات العراة والرقص والديسكو، لأن تلك القنوات لا تخاطب فعلا الا اولاد الذوات مصر الجديدة ومدينة نصر وقصر النيل (الذين قالوا لا ) ، فثمن اعلاناتها لا يتناسب مع الشركات الصغيرة ، لكنها موجهة اولا فى جيب الأستاذ صاحب القناة فضلا عن المطلحات الفرنسولاتي الالمانو عربى  (انتخابات برلمانية – انتخابات رئاسية – دستور – ديموقراطية ..).. فكم مرة ظهرت فيها السيدات المحجبات ، او حوار مع (ولية طخينة من اياهم) ؟؟ وكم مرة ظهر فيها الرجال بجلبابهم المهلهلة يتحدثون عن انفسهم؟؟ وكم مرة ظهرت تلك المواد الاعلانية التى تناسبهم؟؟؟ والدليل على كلامى دعايتهم القوية ب"لا" فى جميع برامجهم ، الا ان السبب فى تلك ال"نعم " (ليس فقط تديين الاختيار ) ولكن ما يدعمه ذلك من قنوات تخاطب مصر الجديدة ومدينة نصر القاطنين على كوكب المريخ وليس فى حى الزبالين والقطامية وبشتيل وبراجيل وفى احياء ونجوع القاهرة والممتلئة بكثرة فى انحاء البلاد.
الاخوان المسلمين بحق هم افضل القوى السياسية التى يجب ان اعترف بتفوقهم فى توزيع الطعام واللبن ( الرسالة المناسبة ) لكل مصرى ، فصندوق الخيرالذى يذهب الى الفقراء يحمل الكثير من المعانى والبرامج المعبرة عن الاخوان ، وهؤلاء المتدينون نحدثهم ان التعديلات هى واجب شرعى ، وأهل القاهرة نوزع لهم منشورات بأن الاجابة بنعم هى الاستقرار بعينه ودفع عجلة التنمية والتقدم (دون التحدث بكلمة لها علاقة بالدين ) ، ومجتمع الفيس بوك وتويتر لديهم شبكة رصد التى تروج بالأكثر لانشطة الاخوان المسلمين فى وسط الأخبار المنقولة من كل اتجاه فضلا عن فكرهم الذى يدس فى وسط الاخبار الموجهة دون وعى القارئ ..
لكى تتحدث لأهل البلد ولأكثر من 60 مليون مواطن لابد ان ترتدى زيهم وتأكل أكلهم وتخرج لهم فى لهجتهم العربية (دون بهرجة لسانك بلغات اهل الفرنجة)  كى تصل رسالتك الى قلوبهم ويشعرون انك واحدا منهم ، ولا أن تخرج عليهم بلسان الفيس بوك والطويطر وبملابسك الشيك وبتسريحة شعرك الروشة وبالحظاظة الماسونية وبالسلسلة الامريكية و بتشيرتات الجيفارا وتحدثهم عن النهضة والتنمية والعجلة .. فكلماتك لا تترجم عنده اكثر من النهضة اى ينهض للعمل فى الورشة ، وتنمية اى تنمية الزرع وارواءه والعجلة هى عجلة الولد حمدان التى اشتراها الحاج عواد لنجاحه فى الابتدائية..!

م/ أندرو أشرف
23-8-2011

لمتابعة مدونة قلم رصاص على الفيس بوك اضغط هنا


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق