السبت، ٧ يناير ٢٠١٢

مصر العذراء .. بين البابا والكنيسة



وبدأت العظة .. وحمل البابا بيده ورقة الهتاف .. وكعادته كل عام يبدأ فى سرد الأسماء واحدا تلو الآخر من الحاضرين ، كى ينتهى كل اسم بهتاف من الشعب وتصفيقا حادا ، او تصفيقا متوسطا او عادٍ بحسب ثقل كل ضيف فى قداس العيد ...
ولأن البابا شنودة على مدار تاريخه اعتاد ان يشكر طرفا رئيسيا فى مقدمة (قائمة الهتيفة) كل عام تبدأ دائما بتحية نائب المخلوع سواء كان جمال مبارك فى عيد الميلاد او (شخصية مغمورة) فى عيد القيامة .. وهذا للتودد لكلا الطرفين ، للأقباط من ناحية لانه مندوب الرئيس .. وللاسلاميين لأن جمال مبارك بنفسه غير معترف بقداس القيامة وينوب المخلوع فى الحضور تلك الشخصية الكارتونية المغمورة ..
فى ذلك العام حالة منفردة بنوعها .. فبعد ان صار الرئيس مخلوعاً ، وصار نائب عيد الميلاد محبوساً ، وتسلم السلطة العسكر ، كان من الطبيعى جداً ان نتنعم بنفس نغمة التحية للظلمة والفاسدين مثلما سمعناها 30 عام من قداسته ، وان كنا قد رأينا بأعيننا تحية قداسته للنائب الحبيس بعد حادثة القديسين باسبوع ، فلن أتعجب من تحية قداسته للعسكر الذين ذبحوا الأقباط ثم غسلوا أيديهم منها مثل بيلاطس .. حقا أن بيلاطس لن يغفر له برغم غسل يديه من جرم صلب المسيح .. كذلك المجلس العسكرى مهما فعل .. فسيظل التاريخ شاهداً على دماء ابناء ذلك الوطن الذين دُهسوا تحت مدرعاتهم ..
برغم انى أطعن فى سلوك البابا السياسى ، وأتهمه فى خنوعه للحاكم وولاءه الدائم للسلطة حتى ان كانت فاسدة ، الأ اننى لا اطعن فى كنيستى ، ففرق كبير بين مؤسسة دينية عريقة وبين قادة انعتهم سياسيا  بالفساد ، مثلما هتفت فى التحرير " الشعب يريد اسقاط النظام" وليس "مصر" .. فمصر ليست النظام ، والكنيسة ليست البابا .. فالبابا متغير .. انما عقيدة الكنيسة ثابته ، حتى ان والى عليها أكثر من بابا ..
والكنيسة فى المعنى العام هى ذلك الكيان الذى يرأسه السيد المسيح شخصياً ، فهى جسد المسيح ونحن المؤمنون أعضاء ذلك الجسد الواحد ، والبابا شنودة هو وكيل سرائر الله على العقيدة التى سلمها لنا .. لذا فهو ليس موكل سياسيا على امور السياسة وعلاقتها بالدولة .. وتعاليم السيد المسيح واضحة .. أعطوا ما لقيصر لقيصر ، وما لله لله ،  فالكنيسة هى كالسفينة التى تقود المجتمع روحياً وكالمنارة التى يلجأ اليها التائهون والخطاة للخلاص ، لذلك احدى اشكال الكنيسة هى السفينة ، التى يلجأ اليها الغارقون (فى الخطية) للنجاة ..
والكنيسة ليس لها شأن بمجريات الأمور فى الخارج ، ولا يجوز لها أن تدعو ابناءها باختيار مرشح عن مرشح آخر ، او انها توجه مدح او تحية لحاكم عن آخر ، او تتحالف مع مرشح دون غيره ، او تدعو حاكما او مرشحاً للعيد من عدمه ، او توافق على مقابلة رجل سياسى دون آخر ، .. فمن يريد ان يقدم التهنئة فأهلا وسهلأ ومن لا يريد فشكرا له ، لأن دعوة شخص دون آخر ليس الا تحالف سياسى هدفه رفع القبعة سياسيا وخفضها لآخر .. عفوا .. دعوة الكنيسة دعوة عامة .. ليس هناك مدعوين وغير مدعوين ، والتاريخ شاهد على مدى تجاهل التيارات الاسلامية فى الأزمنة الأخيرة ، والآن قداستكم تستضفها بالترحيب والابتسامات..  ولا يُعرف هذا الا انه موقفاً سياسياً بحتا .. يرحب بشخص دون الآخر .. ويسلم على شخص دون غيره .. حسب الصالح العام والموقف السياسى العام ، حتى ان زينت كلامك بعنواين المحبة والسلام ..


عفوا قداستكم ، اختلف وبشدة ..
يمكنك ان ترحب بكل المدعوين وتذكر الأسماء فقط .. دون اداة تجميل وفرش المصطلحات الماكييرية لكسب صف العسكر الخائن فى صفوفكم بعدما أعلنتم الحداد والصوم ثلاثة أيام على أرواح أبناءكم ، فليس لهذا مصطلح آخر سوى " النفاق السياسى" .. عفوا قداستكم ، ومن حق ابناءك ان يصفقوا ، أو يصمتوا ، أو يهتفوا بسقوط الحكم العسكرى ، فليس للعسكر حصانة روحية بعد ثناء قداستكم ، وان كان هذا موقفك السياسى الشخصى ، فعفوا .. هذا ليس موقف الكنيسة ككل ، وقداستكم أعلم بأن ليس للكنيسة موقفاً سياسياً لان هذا لا يعنيها ، ولم يوكلك السيد المسيح على هذا ..

ان كنت أختلف عن رأى قداستكم سياسيا ، فهذا ليس معناه انى اتبرأ من قداستكم (روحياً) ، وطاعتى لكم هى طاعة الأب لأبنه فى نطاق "ابويا الروحى " وابنكم الروحى" اما كونك أب سياسى .. فعفوا فأنا اتبرأ من قداستكم كأب سياسى وليس لى على هذه الأرض ابا سياسيا .. فأنا مولود من مصر العذراء فقط ..
وأتمنى .. كابن محب لك .. ان تبعد عن امور السياسة والحكم والحاكم .. ودع الله يقود كنيسته فى طريقها الذى يراه مناسبا ، وقداستكم  تعلم ان كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله ، وان دخولكم فى مثل هذه الطرق ليس له مسمى سوى انه "نفاق" و تذلل وخنوع ،وهذا مل لم يعلمنا اياه الرب يسوع ..  فربما تُعثر الكثير والكثير، وقداستكم تعلم .."الويل لم تأتى بواسطته العثرات " .. وكما يقول المثل الدارج .. "خطأ الكبير .. كبير "
الكنيسة ستظل صخرة قوية فى رياح المجتمع ، اما قادتها فليس معصومين .. وتاريخ الكنيسة اعتاد ان يرى كثيرا من المهرطقين كانوا قادة كنسيين .. ولكن الكنيسة كانت دائما تنتصر حتى على من خالفوا التعاليم .. حقأ اختلف معكم ..وأعلن بكل صراحة .. انك لا تمثلنى سياسيا .. وأرفض أن يكون للكنيسة رأى سياسى .. وأرفض أن تتحدث باسم الكنيسة فى السياسة .. فأنا ضدك سياسيا ولكن كنيستى دائما على رأسى ..
أندرو أشرف
 7 يناير 2012