الأحد، ٢ ديسمبر ٢٠١٢

العروس الرمادى !


لا تدعى الطهارة .. فهى رجسة باثرها ..ليست عذراء وليست بكرا .. بل عاهرة من 
يومها ..
كل من ادعى زواجها ..هو ليس صاحب مبدأ .. فهو يعلم انها عاهرة منذ ولادتها.. فهى ولم تكن ابدا .. عذراء .
انها تلك التى يسعى اليها الآن كل عاشق للنفوذ .. انها السياسة القذرة .. التى – ولم تكن ابدا – بكراً .. وعجبا على هؤلاء الأبكار الذين يودون زواجها .. انهم كالسذج الذين يعمون اعينهم عن دعارتها .. وعندما تعترى وتنكشف امام الجميع .. تحمر أوجههم بالخزى والعار.

يدفعون فيها اغلى الأمهار .. يستعرضون عضلاتهم .. ويغازلونها بأشهى الكلمات .. يرفضون النفاق وتذوير العقول .. يرفضون الوفاق والاتحاد مع الفلول .. انهم انقياء القلوب .. يحملون على اعناقهم امانة .. واي امانة .. دماء شهداء – عيش – عدالة – كرامة .. ولكن مع من .. وكيف .. ليس الا عن طريقها .. لابد من زواجها .. لابد من الالتصاق بها .. فهى تحمل شعارات الخير والعدالة والامانة .. ولكنها من الداخل .. عاهرة ..فهى لن ترتدى الفستان الأبيض حتى فى ثوب فرحها ..ولن ترتدى الفستان الأسود حتى لا يهرب منها (العرسان) .. ولكنها ترتدى الرمادى .. فهى لا تعلم سواه .. بل ولونها المحبذ لها .. اتريد زواجها؟!! .. فلتحضر لها ذلك الفستان .. الرمادى .. بل وتصير مثلها !

عجبا على هؤلاء الذين يدعون الطهارة للتقدم لها .. وهم أنفسهم حينما خلعوا رئيسا .. توحدوا مع الجميع ضده .. لقد ادعى الليبرالى وحدته بالسلفى من اجل الاطاحة به .. لقد امسك الاشتراكى يديه بالاخوانى من اجل خلعه .. والآن .. حينما يجلس مرسى على المقعد .. يهزأون بمن يناهضونه .." انك تتحد مع الفلول !! " .
نعم ، اتحد مع الفلول ضدك .. لقد وضعتنى فى مأزق .. وكأنى أقود سيارة و أمامى طريقان .. نائم على احدهم خمسة .. وواحدا فقط على الآخر .. ولقد حسبت زمان توقيفى للسيارة فوجدت اننى لا بد ان اختار أحدهما ليموت .. فمن ستختار .. الخمسة ام الواحد ؟؟
بالطبع الواحد .. لقد حكمت عليك الظروف بذلك .. لم يكن ذنبك .. ولكن امامك خيارا لتختار اخف الضررين ..
لقد ندمت اليوم من بطلان تصويتى .. لن يذكر تاريخى اننى ابطلت صوتى من اجل حفظ ثيابى طاهرة .. ولكنه سيذكر عارى عندما اخترت اسوأ الخيارين .. مرسى .. نعم .. فبطلانى لصوتى شدد ساعده .. وكأنى تراجعت عن امالة عجلة القيادة لقتل الواحد .. فقتلت الخمسة .. بيدى !
ليس هناك أبيض و أسود فى السياسة .. ولكن النفع الأكبر للناس ربما يكون أكثر صحة ولكنه ليس الأصح .. انها عملية فلسفية معقدة ..
أعلم ان ضميرك يحاربنى .. كيف .. كيف أتحد بمن قتل ابى و امى ؟؟؟ للأسف يا سيدى .. ان لم تتحد مع من قتل ابيك و أمك سيفوز من سيقتلك انت و اخيك و أختك و ابنك و ابنتك .. باسم الدين .. أتظن ذلك أفضل ؟؟!!
لا يضحكون عليك .. ولا تجعلهم يطعنون فى شرفك حينما تتحد مع أقدم الأعداء .. فهم أول ناس تزوجوها .. وارتضوا بالعيش معها فى زناها ..
لا تتدعى الطهارة .. ولا تدعى البكورية .. طالما ارتضيت بزواجها .. فهى ليست عذراء .. وترفض كل بكرٍ .. ولا تعلم خطأ أو صواب  .. لأنها رمادية اللون .. ومن ارتضى زواجها .. فليصير مثلها .. رمااااااااااااااااااااااادى ...


الاثنين، ١٦ أبريل ٢٠١٢

لن انزل 20 ابريل !



لم افاجأ بما حدث فى جلسة مجلس الشعب عندما توافق الأعضاء الاسلاميين حول ضرورة نزح عمر سليمان من الساحة السياسية لانه يمثل خطرا كبيرا على اهداف الثورة ( كما ادعوا ) .. ويمثل عودة صارخة للنظام القديم الذى تم اسقاطه .!!
والآن اتساءل وبشدة .. أين كان هؤلاء عندما جلس الاخوان مع عمر سليمان وتفاوضوا معه أثناء مظاهرات 25 يناير ؟؟ 
ولماذا صمتوا طوال الوقت الماضى ولم يخافوا على الثورة وقتئذ ولم يقدم أحدهم بلاغا للنائب العام بموجب قضايا الفساد والقتل التى تورط فيها سليمان المساعد الأول لرأس النظام السابق والذى اعلن وبقوة عن جهل الشعب المصرى وعدم استحقاقه للديموقراطية ؟؟
هل كان هذا خشية من غضب المجلس العسكرى الذى كان يقاسمه السلطة و  الوقت حان الآن للتصدى بقوة لمن ينتزع التورتة بأكملها منهم ؟؟؟
ان هذا الأمر لا يعنى سوى ان الاسلاميين على استعداد تام بالصمت ضد جرائم القتل والفساد والظلم .. بل حتى والجلوس مع من اجرم فى حق الوطن على مائدة واحدة فى حالة توافق ذلك مع مصالحهم السياسية .. والسير وراء أجنداتهم الخاصة التى اتهموا كل من ثار للحق بامتلاكها ..
هل الآن نسمع من الاسلاميين الحديث عن الثورة وشرعيتها بعدما أسقطوا شرعيتها ب"نعم" التى تدخل الجنة ووافقتم على الاعلان الدستورى المقيت الذى بسببه تجلسون على مقاعد البرلمان !!
ام انكم تعرجون على عكازى الثورة والشرعية .. ومتى كانت مصلحتكم تتحركون بالعكاز المناسب ..!
أنتم آخر من يتحدث عن الشرعية الثورية .. بعدما أعلنتم تأييدكم الكامل للمجلس العسكرى واستحواذكم الكامل على مقاعد التأسيسية دون التفات لآراء الشارع بدستور لكل المواطنين متجاهلين الأزهر والكنيسة والفقهاء الدستوريين ومكتفيين بالنسبة الطاغية لكم؟؟
انتم آخر من يتحدث عن الشرعية الثورية بعدما رفضتم نداءات الشارع المصرى بعزل الفلول من مباشرة حقوقهم السياسسية خوفا من الصدام مع المجلس والآن نستمعكم تتحدثون عن عزل الفول .. بعد ماذا؟؟؟
تقترفون نفس خطأ الرئيس المخلوع عندما عدل المادة 76 كى تتوافق مع ابنه جمال .. وقانون مكافحة الممارسات الاحتكارية عندما عُدل خدمة لأحمد عز ..والأن تفصلون قانونا خاصا لعزل أشخاص بعينهم مخالفة للاعلان الدستورى والذى ينص على المادة 28 التى تعدد شروط الترشح للرئاسة ولم تتضمن منهم العمل مع النظام القديم .. وبهذا فقوانينكم وتشريعاتكم تفرضوها على الساحة بموجب مصالحكم الشخصية وتلعنون وتسبون فى الثوار .. والآن تنتظرونا لمشاركتنا يوم 20 ابريل القادمّ!! ..  كلا ..!!
بما انكم وافقتم على اعتلاء الكرسى من منطلق الاعلان فلا تتفوهوا بالحديث عن الثورة او شرعيتها .. لان الثورة تقتضى ان تذهبوا انتم اولا قبل سليمان وغيره وتعلنون رفضكم الكامل للاعلان الدستورى المقدس وتذهبون بحقائبكم وتتركون البرلمان وتنضموا لساحة التحرير يا من خدعتم جموع المصريين بالموافقة على المجلس وخططته مقابل الاستحواذ بالبرلمان والتأسيسية ثم الرئاسة .. لذلك أعلن وبشدة ..
انسحابى من جمعة 20 ابريل .. لأننى لن امسك بيد يكتاتورا فى وجه ديكتاتورا آخر وتأييدى لانقلاب عن الشرعية الدستورية هو بداية لاى انقلاب آخر وتعزيز لأى اقصاء سياسى تودون فعله بقوة ديكتاتورية الأغلبية ... واعلن بكل قوة تأييدى لترشح عمر سليمان ولكنى سأدفنه بيدى بصندوق الانتخابات .. وسأضعه فى الصندوق الأبيض سياسيا .. بدلا من الصندوق الاسود الذى يخيفنا به ! هذا ان توافق الشعب على الشرعية الدستورية .. اما فى حالة تعزيز للشرعية الثورية .. فهناك قولا آخر ..
فكل من وافق على جرائم عمر سليمان وامثاله ولم يتحدث الا عندما خاف على نفسه .. وكل من باع الثورة فى سبيل اجندات شخصية .. وكل من سعى للانقلاب على الشرعية الدستورية (التى اعلن تأييدها بحياته ) هو ابو الفلول .. ولن اقف مع فلولٍ ضد فلولٍ .. والا صرت منهم !



السبت، ٧ أبريل ٢٠١٢

عكاشة والــ"28"

عكاشة والــ"28"
وازدادت المراهنات .. وكل يوم نستمع الى جديد فى سباق المرشحين ، فولان خرج بسبب جنسية والدته ، وفولان تنازل من اجل فولان ، وفولان انسحب تماما ، ثم فولان يعود .. وكأن كروت اللعب للمجلس العسكرى يظهر واحد تلو الآخر لجس نبض الشعب المصرى من توجهاته وميوله .. ومن المعروف ان امامنا ثلاثة تيارات فى الشارع السياسى :
التيار الأول هو التيار الاسلامى بزعامة الاخوان والسلفيين وكل منهم له مرشحه الخاص وكل منهم له برنامجه .. وعلى الرغم من حالة الاستقطاب بينهم الا انهم يتفقون سويا على المشروع الاسلامى ..
التيار الثانى هو التيار اليسارى : وهم اليساريين والليبراليين و الاشتراكيين و الناصريين و ينضم اليهم العديد من الحركات اشهرهم 6 ابريل والأحزاب المدنية و يميل اليهم عدد لا بئس به من الاقباط ..
التيار الثالث هو التيار العكاشى : وهو التيار الذى شاهد الثورة منذ بدايتها الى نهايتها واغلبهم لم يشارك فيها ومنهم من شارك حتى تنحى مبارك فقط .. ولا يجد حرجا سوى فى شتم الثوار والثائرون و سب التظاهرات .. لا ينظر سوى لقمة العيش ولا يهمه سوى الراتب اليومى والاستقرار ، ومن كثرة ما شاهده يؤمن و بشدة ان هذه البلد لا يستطيع ان يحكمها سوى جلاد آخر .. لان سبب ما يحياه من فوضى – فى نظره – ميدان التحرير والبلطجية المقيمين فيه ..
ومن المعروف أن المجلس العسكرى لديه 3 خطوط حمراء لا يريد أحد ان يمسها :
1 – ميزانية الجيش .. فليس لأحد ان ينظر اليها سوى المؤسسة العسكرية ، والمجلس العسكرى – من وجهة نظره – هو صاحب الحق الوحيد فى مراجعة هذه الميزانية ومعرفة تفاصيلها دون اعلان..
2 – المعونة العسكرية من واشنطن وهذا بموجب الاتفاقات والمعاهدات الدولية بين مصر واسرائيل بأن تتسلم مصر سنويا معونتها على هيئة اسلحة تتراوح قيمتها 1،3 مليار دولار
3 – قرار السلم والحرب .. وهذه النقطة تشكل له الخطورة الكاملة فى حالة اذا تسلم السلطة تيارا له اتجاهات عدائية مع الكيان الصهيونى بشكل عام ومع اسرائيل بشكل خاص .
ولأن التيارات الليبرالية اتجاهاتها تتجه للنقاط الثلاثة  وبالأخص الأولى والثانية .. والاسلامية تتجه اكثر للنقطة الثانية والثالثة .. فليس عليه سوى التحضير فى من يأمن له فى تسلم السلطة "المدنية" التى وعد بها ..
كان من المتوقع ان يكون هذا الشخص هو "عمرو موسى " ولكن نظرا لان عكاشة وحزب الكنبة لا يميلون اليه ويتطلعون الى جلاد آخر او "عسكرى " يحكم البلاد ..  فتم الدفع بأحمد شفيق فى مواجهة ابو اسماعيل (مرشح اسلامى الشارع)
 ولكن من الملاحظ ان ابو اسماعيل استطاع ان يستعرض قوته وبشدة واثبت شعبيته بجدارة فى زفة التوكيلات .. مما جعل الاخوان والعسكرى يخافان على السلطة من هذا الرجل .. فدفع الاخوان بالشاطر خشية من اقصاءهم سياسيا بعد تسليم السلطة سواء من العسكر او من السلفيين .. كما أن شفيق لم ينجح فى جذب المزاج السياسى العام لكثرة اخطاوءه السياسية وكثرة الهجوم المتواصل عليه ..


ولكن بعد موضوع جنسية والدة ام ابو اسماعيل .. اختلفت موازين القوى .. وتفكك الشارع الاسلامى الى صفين .. صف خون الاسلاميين بشكل عام وانضم الى التيار "العكاشى" بايمانه ان هذه البلد لا يصلح لها الا "عسكرى" وكلهم نفاقون وكذابون .. والصف الآخر بقى منه من هو متمسك ب "ابو اسماعيل " ومنهم من وجه نظره الى "الشاطر"  .. وفى تلك الأوقات حاول المجلس العسكرى بالقاء ورقة "عمر سليمان" باعلان اعتذاره عن ترشحه للرئاسة .. فنجد يومها دعوة عكاشة لتراجع سليمان عن موقفه على التلفزيون المصرى .. وتعاطف كثيرين معه خاصة ان سليمان لم يتكلم كثيرا ..اللهم الا فى حوارات على ال سى ان ان التى ربما لم يسمع عن اسمها حتى انصار عكاشة .. والتى كان من اهمها التصريحات الشهيرة بان هذا الشعب لا يعرف الديموقراطية وانه منقاد بالاسلاميين ..
عاد سليمان مرة أخرى وتنازل شفيق عن الرئاسة لصالحه مما قد أوضح الصورة لمعانا واضاف لها تأثيرات اخرى .. وهو ان العسكر لا يرغب فى التفتيت ولكن الاكتساح ..
المرشح التوافقى ينبغى ان يحصل على مباركة العسكر وواشنطن طرفى التوافق الأساسى .. وبما ان التيار العكاشى صار الآن كثيرا ..وبعد التأكد من حركته فى الشارع بعد دعوات توفيق عكاشة فى العباسية .. ومع وجود المادة 28 التى تنص على عدم جواز الطعن فى قرارت اللجنة العليا للانتخابات .. نستطيع ان نجزم ان سليمان فى طريقه الى سلم السلطة .. والرهان على عكاشة .. وال "28" .. وهذا ... اذا بقى الوضع كما هو عليه !

الثلاثاء، ٢٠ مارس ٢٠١٢

قبل أن تثور من أجل الانسانية ...!


فاجأنى خبر وفاة قداسته ولم اتخيل حجم المأساة الا حينما عاينت بنفسى جثمانه وهو راقد على كرسى مامرقس ، كم تذكرت القداسات التى انتظرها فى العيد من عام لآخر .. وتذكرت عظة الأربعاء التى اتشاغف لسماعها ، والكتب التى أقضى اوقاتى معها فى روحانية السماء .. تذكرت كيف كنا ننتظر موقف البابا من اى حادث يمس الأقباط ؟ .. تذكرت كيف كنا ننتظر كلمة البابا فى امر عقائدى مثلا .. تذكرت كيف كانت ردوده الحكيمة التى افحمت جميع المتربصين به ... تذكرت كيف اتفرغ لرؤيته حينما يتجلى على شاشات التلفزيون .. تذكرت كيف كنت اتناقل دعاباته من وقت لآخر وأضحك بها مع أصدقائى.. تذكرت شعورى ان لنا سندا فى هذا البلاد نتكل عليه حينما نقع فى الضيقة...تذكرت .. وتذكرت .. بدأت أشعر انى يتيما رغم حياة أهلى وشعرت فى داخلى ان مصر قد خسرت رمزا وطنيا اصيلا ، لم يشأ فى لحظة ان تحيا قيد الفتن والانشقاقات .. سعى وتنازل عن كثير من حقوق الأقباط ولكنه فضل مصلحة بلاده فوق مصالح طائفية.. عاش حياته يقدم و يخدم حتى آخر نفس .. لم يبح بآلامه النفسية والجسدية التى ظل يعانيها نتيجة لمرضه واضطاهاداتٍ لشعبه .. واكتفى دائما يسند شعبه بعبارته الشهيرة وايمانه الراسخ.."ربنا موجود" .


تعجبت من ردود الفعل لكثير من الناس حينما تهكموا على رثاء الأقباط لسيدهم ، تهكموا وسخروا من دموع الملايين على رئيس كنيستهم .. ذلك الرجل الذى شهد له العالم كله بمحبته وعطاؤه .. حزنت مثلما حزنت على الذين قتلوا فى محمد محمود ، ومثلما بكيت فى احداث بورسعيد ـ ومثلما ذرفت فى احداث ماسبيرو .. انها الانسانية التى تحترم كل انسان .. تفرح بميلاد جديد .. وتكره القتل و الفراق .. لا تشمت فى موت انسان حتى لو كان ظالما .. انها الفطرة الانسانية التى زرعت بداخلنا ..
هل يعقل ان ادافع عن الانسانية وادافع عن حقوق كل انسان فى الحياة .. وعندما أجد من يبكى لفقدان حبيبٍ اسب له من يرثيه حزناً ..
هل يعقل ان اذهب مأتم واذهب اليهم ضاحكا ومستهترا .. "انت جاى تعزى ولا تهرج .. لأ انا جاى أهرج " ..؟؟!
أليس من أبسط قواعد الانسانية هى ان تفرح مع الفرحين وأن تحزن مع الحزانى .. الا ترتدى الفتاة الأبيض فى زفافها وترتدى الاسود حينما تفقد عزيزا ...
ان كنت (تكره او ترفض ) شخصا لأنك فقط تختلف معه فى الرأى - وحتى ان كانت آراءك قريبة من الناحية الانسانية - فكرهك له او رفضه بشكل عام يتنافى عن ما تدافع عنه .. لان التنوع هو فقه الحياة وتقبل التنوع والاختلاف هو اولى قواعد الانسانية ..
ان راجعت علاقاتك مع الناس ووجدت انك تحب و تكره الناس لأسباب معينة فمازال لديك الوقت الكبير كى تدرك معانى الانسانية الصافية .. وهى ان تحب الانسان فقط لأنه انسان .. وتدافع عن حقه فى الحياة واعتناق اى افكار واى عقيدة فقط لأنه انسان !
لأا أطلب منك ان تتعاطف معى لرثائى ، ولا أطلب منك ان ترثينى قداسته .. ولكن أقل تقدير هو احترام مشاعر من يفقد عزيزا له حتى ان كنت تكرهه (كره العمى!) ..
لست محتاجا ان اعدد لك مواقف قداسة البابا الوطنية .. لانى لأ أريدك أن تتعاطف مع أحد لأى سبب .. فحتى ان تعاطفت مع احد لسبب ما فأنت قليل الانسانية ، فربما تعمق الاسباب مدى التعاطف ولكنها لا تخلقه ..  !
كما لا أريد أن أصدمك وأخبرك .. انك حتى ان فرحت بموت مبارك نفسه فأنت قليل الانسانية !!!
مازال كثير منا يحمل بداخله مبارك .. ويرفضون كل ديكتاتوريا بديكتاتورية ، ويقهرون كل رأى مختلف بقهر، وهذا "الفرعون"  حتى ان ازالوا اسمه من الميادين والشوارع والمدارس .. مازال محفورا داخل قلوب الكثير ...
يا من تثور من اجل الانسانية .. من فضلك اعتنقها قبل ان تثور من اجلها ... !!



الجمعة، ١٦ مارس ٢٠١٢

قانون الطبيعة الانسانية


"قانون الطبيعة الانسانية"

لم ينتظر الانسان الاعلان العالمى لحقوق الانسان الصادر فى ديسمبر 1948 كى تنفتح عيناه على شيئا جديدا لم يكن يدركه من قبل ، بل كان هذا الاعلان هو بمثابة خلاصة المبادئ الانسانية والطبيعة البشرية الموجودة فى جميع الأديان بل وقبل الأديان ، فمنذ بدء التاريخ والانسان دائم الحيرة ..تسنت معه مفاهيم لم يعلم ماهيتها ،وولدت بداخله قيم لم يدرك مصدرها ، فظهر عنده "خير" و"شر" ، و"جيد" و"ردئ " ، و"ظلم" و"عدل" ، و "طيب" و "شرير" ، كما وجد نفسه تتسق مع جانب واحد وترفض النقيض ، فوجد نفسه يحب شيئا اسما " خيرا " وينفر من شئٍ اسماه " شر " ، ويحث على "العدل " ويكره "الظلم" ، ويحب "الحرية " ويكره " العبودية" ، فأخذ يبحث عن سر اتساق ذاته مع هذا الجانب ، ولماذا تسعد نفسه مع ذلك الشق "الخيرى" وتنبذ ذلك الشق "الشرير" ، وتساءل ما هى هذه المسطرة الفطرية التى جعلت الانسان يرتاح الى واحد وينبذ الآخر ؟؟
وعلى الرغم من اتساق سعادة نفسه مع الخير يجد نفسه "يميل" للشر ، فعلى الرغم من حبه للعدل يجد نفسه "يظلم ويقهر " ، وعلى الرغم من حبه للحرية وجد نفسه "يستعبد" .. فبدأ فى داخله الصراع .. صراع "الالهة" ، صراع القوة التى تجعله يفعل الشر الذى يكرهة ، مع القوة التى تجعله سعيدا راضيا ومتسقا مع ذاته .. هذا الصراع على مدار العصور بحث فيه الفلاسفة والمفكرون ومنهم المفكر "س . اس . لويس " ودعاه  "قانون الطبيعة الانسانية" ويتلخص فيما يلى 

"تتسق ذات الانسان مع "الخير" ولكنه يفعل ما لا يحبه "الشر"



وطبقا لهذا القانون بدأ الانسان يبحث عن وجود قوة خارقة تساعده ان يحيا تلك الحالة (التى تتسق روحه عليها ) ، بدأ يبحث عن قوة تفوق من يظلمه او من يقهره ويستعبده ، قوة تحفزه ان يقدم العون للآخرين وينشر العدل والسلام والحب ، شعر فى داخله ان الانسان لم يوجد فى الحياة صدفة وهباء ، وانه وُجد لسبب لا يدركه ، وهدف لا يعلمه ، وشعر انه لابد ان تتحقق قوانين الحياة بطبيعتها لانصاف "الخير"  ، فلا يمكن ان يستمر الظلم ومن يظلم سوف تنتقم منه "الالهة" ، وان المظلوم سوف يُنصف آجلا او عاجلا ، وان لم يكن فى هذه الحياة فسينصف بعد موته ( ومن هنا أتت فكرة البعث والحساب ) ، وأن السعادة تكمن فى ان يفعل الانسان ما تتسق معه روحه.
فحب الحرية والحق فى الحياة والمساواة والحب والسلام وعمل الخير مدفونة داخل الانسان بفطرته ، لم تحتاج لملقن كى يعلمها له او  رسول كى يغرسها له ، فهذه هى طبيعة الانسان كما وجدت ،  فلم تأتى الأديان بجديد سوى انها اكدت على تلك المبادئ المحفورة داخل الانسان وأكدت على ان ما يشعر به الانسان صحيح ، هى فقط انارت له صوابه نحو الاله الذى يبحث عنه ، وحثته على الطريقة المثلى ان يحيا بها على الأرض ، كى يستكمل حياته المثلى فى الآخرة . لم تفعل الأديان شيئا جديدا سوى انها أكدت ان للأنسان هدفا من وجوده وأعطت لقوى الخير اسم "الله" وقوى الشر "الشيطان " . وأن حب الله هو حب العدل والرحمة والإخاء والسلام ، وما ناقضه هو عدم حب "الله" .
لم تأتى الأديان منافية لفطرة الانسان الغريزية ، بل حثته على نشر العدل والمساواة والسلام والحب ، ووعدته بالمكافأة فيما بعد الموت ، وحذرته مما لا تتسق معه ذاته من كراهية الآخر والعنف والحقد والظلم ونشر البغضاء والتعصب .. (السير وراء الشيطان ).
وللأسف ، الكثير من الناس يظن ان دينه قد أتى بما لم يأتى مسبقا فى تاريخ البشرية ، وما لم يفكر به أحداً من قبل وانه – اى الدين -  الذى هدى الناس الى الحق بعد الضلال وقاد الناس من الظلام الى النور والهداية ، وبالتالى فان معتنقه الوحيد على حق والباقى على خطأ ، ومن ثم يتخذ من الخير الذى يؤمن به وسيلة "ليفعل" الشر الذى "لا يريده"  فيكون الدين بالنسبة له هو وسيلة لقيادته نحو "الشر" الذى "لا يريده " ، يحاول ان يضفى شرعية الهية الى ما يميل اليه من تعصب وكراهية ونبذ الآخر. وفى الحقيقة : ان وجود مثل هؤلاء انما يؤكد على صحة  "قانون الطبيعة الانسانية " الذى ذكرناه ، فتجده انما يحاول ان يرد على الصوت "الفطرى الطبيعى " بداخله بما يوجد فى" دينه " كى يحاول تخديره واخماده ، فذلك المتعصب والغير متقبل للآخر لا يجد مفرا من ان يصطدم مع ما بداخله من المبادئ الانسانية المولودة معه الا بتفسير الآيات الدينية كما تهواه عقله حتى يسكتها ويخمدها ولكنها لن تصمت ابدا .
ان الاعلان العالمى لحقوق الانسان ليس الا المبادئ الانسانية المولودة داخل كل البشر ، فهى فوق جميع الأديان لأنها مولودة بداخل كل شخص ، فجميع الناس احرار ولهم الحق فى الحياة والاختيار والتعبير والابداع ، ولهم الحق فى ان يختاروا حكامهم وقادتهم ، وان الانسان عليه ان يكون مثمرا فى المجتمع ، لم يوجد من أجل ذاته بل لأجل الآخرين دون أى تمييز عرقى ، يساهم ويشارك فى المجتمع الذى وجد فيه ويصير واحدا فيه جزءا لا يتجزأ منه .. وعندم يرفض الانسان هذه الافكار بأى مبررات سواء كانت معيشية او دينية عليه ان يراجع فهمه لعقيدته جيدا لان هذا هو المفهوم الفطرى المولود معه المتسق مع ذاته  .
الخلاصة : " ليس الدين الا الوسيلة التحفيزية لفعل ما يتسق مع الطبيعة البشرية ، وان لم تجده متسقا عليك ان تراجع فهمك لعقيدتك .. وبالتأكيد ستجد نفسك مخطئا "

أندرو أشرف
16-3-2012

السبت، ٤ فبراير ٢٠١٢

الثورة القادمة ضد البرلمان


الثورة القادمة ضد البرلمان

قبل قدوم 25 يناير ، توقعت شيئا سيحدث ولكن ليس فى تلك الأيام عينها .. سيناريو من الفوضى والعشوائية يختلقه "الطرف الثالث" الذى نعلمه جيدا ، ويقع ضحيته الثوار ،  وحريق هائل فى مكان عام و ضخم ( توقعت المجمع فى الحقيقة ) ، ولكن حين مر 25 ، 26 ، 27 يناير وبعد أن هدأ التحرير الى حد ما ، لم أكن أشك أبدا ان سيناريو المؤامرة سيحدث عاجلا أو آجلا حتى تحققت النبوة المأسوية فى مباراة بورسعيد ، وفى مكان بعيدا تماما وفى توقيت غير متوقع أيضا ، حتى وجدنا امامنا عشرات القتلى الذين سقطوا جراء تخاذل قوات الأمن وتقاعسها وعسفها عن قيام دورها .. قوات الداخلية التى استطاعت ان تعيد السائحان المختطفان بعد 6 ساعات فى ذات اليوم ولم تستطع ان تؤمن مباراة واحدة !
ثارت حفيظة المصريين وتمزقت قلوبهم وفاض بهم الغضب ولم نجد من المجلس المنتخب سوى الخزى والعار ، وجاءت تصريحاتهم فاترة وهزيلة وأقصى مطالبهم هو مجلس لتقصى الحقائق وهو حق يراد به باطل وغالبا نتيجته النهائية هو اعلان تبرئة الجماهير والجيش والافصاح عن وجود عنصر وهمى يسمى بال"طرف الثالث" الذى نعلمه كلنا !
وعندما التف المتظاهرون حول وزارة الداخلية مطالبين بالقصاص ، بدأت الملاحم المضادة وبدأت القنابل المسيلة تتقاذف من كل اتجاه والخرطوش والرصاص المطاطى حتى افترشت الطرق بالجرحى والمصابين ، وعندما دافع المتظاهرون عن انفسهم بالحجارة المرماة حولهم وهو امر هين بالنسبة للرصاص والخرطوش، تعمد الاعلام الاساءة لهم ، وتشويهم ، وتجريحهم واتهموهم بمحاولة الاقتحام وتكديرالامن ونعتهم بالــ"بلطجية" .. لقد ماتوا مرتين مرة بقتل ضحاياهم ومرة بتشويههم ..ومازالت عمليات القتل المتعمد مستمرة ...
وكان آخر تصريح لمساعد وزير الداخلية ان الجنود رفضوا تنفيذ أوامر الضباط بسبب إهانات الألتراس في استاد بورسعيد ، يا للمهزلة .. هل امن الناس أصبح مقابلا للمعاملة الحسنة أو السيئة من الجماهير ، هل يعود بنا الزمن الى الخنوع والتذلل للداخلية كى تكون فى "خدمة الوطن..أقصد النظام " ، ماذا يريد ان يبرر مساعد الوزير .. انه لعذر اقبح من ذنب ان تبرر مخالفة الجنود لأوامر ضباط الداخلية (ان صح كلامكم ) بل يدين جهازكم الهزيل والفاسد ويؤكد ان الداخلية مازالت مقبع للفساد والرشوة وتحتاج الى تطهير فورى وحاسم.

علينا ان ندرك الآن دورنا كثوار ..ان كنا  قد انتخبنا ورضينا بالبرلمان اذا فيجب ان نضغط عليه وبكل شدة للرضوخ لمطالب الثورة ..ان كان يدعى نفسه "برلمان الثورة" ، يجب ان يعلم كل فرد فى البرلمان أن هذا الكرسى يحمل مسئولية وعناء 85 مليون مواطن لا يجعله ينام ليلة واحدة مطمئنا ، بل عليه ان يتقبل فوزه فى البرلمان بالعزاء والنحيب وليس بالهتاف والرقص.
وجود الثوار الآن امام محمد محمود حول وزارة الداخلية يثير اللغط ويحول رؤية الاعلام من مطالب الثورة المشروعة، الى "من صاحب الشرارة الأولى" ومن بدأ الضرب و"من أطلق الرصاصة الأولى" وعدد المصابين والشهداء – لاقدر الله ، بل يزيد من تمسك الشارع بالمجلس العسكرى بعد ان يثير حملات التشويه المضادة ضدهم ، ومن ثم يبرر وجوده الطويل بحجة الفوضى وهو ما يريده بالضبط .
نجاحنا أن نفعل ما لا يريده المجلس العسكرى، ان كان البرلمان هو صوت الشعب كما يزعم ، لتتزاحم الجماهير حول البرلمان حتى اذا حول وجهه (البرلمان) عن مطالبنا نعلن جميعا انهم ليسوا نوابنا ونطالب باسقاط شرعيته ومن ثم اسقاط من يتخذه الشارع حجة للهجوم علينا ، إن شرعية البرلمان ليست فى البرنامج الحزبى الذى يتبعه أوتعليمات قادته ، بل يستمد شرعيته لمطالب ناخبه وصوت مرشحه ودم مختاريه .

 وجود المئات الآن أمام محمد محمود يبعدنا عن مسار الثورة واهدار أرواح فى عزاء الخاسرين، لنضغط وبكل حسم و قوة على نوابنا ونفضح المتخاذلين منهم فى جميع وسائل الاعلام حتى يقتنع الشارع والجماهير اننا على حق ونجاحنا الكامل هو ان يتحول التحرير من بضعة آلاف الى 10 ملايين وليس فى التحرير فقط ، بل فى جميع انحاء الجمهورية ..!
أندرو أشرف
4-2-2011                                                               

تابع مدونة قلم رصاص على الفيس بوك

الأربعاء، ١ فبراير ٢٠١٢

رومية 13 - وفتوى عدم الخروج على الحاكم

فى البداية اعتذر وبشدة على طول المقال ولكن هو ليس مقالا بقدر هو موضوع بحثى فى تلك الآيات التى يحتكم اليها مؤيدى النظام وفقا للرؤية المسيحية الحقيقية ..وهنا نضعها بين ايدى القارئ كى تظهر له الامور جليا بين علاقة الكنيسة بالسلطات الحاكمة وفقا للمعايير الكاتبة ..


قراءة فى سفر رومية 13 – الخضوع للسلطات

1- لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة لانه ليس سلطان الا من الله و السلاطين الكائنة هي مرتبة من الله.
 2- حتى ان من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله و المقاومون سياخذون لانفسهم دينونة.
 3- فان الحكام ليسوا خوفا للاعمال الصالحة بل للشريرة افتريد ان لا تخاف السلطان افعل الصلاح فيكون لك مدح منه.
 4- لانه خادم الله للصلاح و لكن ان فعلت الشر فخف لانه لا يحمل السيف عبثا اذ هو خادم الله منتقم للغضب من الذي يفعل الشر.
 5- لذلك يلزم ان يخضع له ليس بسبب الغضب فقط بل ايضا بسبب الضمير.
 6- فانكم لاجل هذا توفون الجزية ايضا اذ هم خدام الله مواظبون على ذلك بعينه.
 7- فاعطوا الجميع حقوقهم الجزية لمن له الجزية الجباية لمن له الجباية و الخوف لمن له الخوف و الاكرام لمن له الاكرام.


كثير من الناس وبخاصة رجال الدين المسيحى يستشهدون بتلك الآيات ويبررون به منطلق علاقة الكنيسة بالدولة ، ويستنتجون من خلال رسالة بولس الى اهل رومية (روما ) أن طاعة الملك (السلطان – الحاكم .. ) هو تعليم كتابى لا ينبغى النقاش فيه ، إذ ان السلاطين مرتبين  - او معينين - من الله ومن يقاومهم فهو يقاوم ارادة الله ذاته ، ومن هنا جاء تحابى الكثير من رجال الدين فى الوقوف بجانب الحاكم (مهما كان ) وتأيدهم العجيب له بالرغم من بطشه وقهره وفساده ، وجاءت التفسيرات والمبررات التى توضح لماذا ظهر خنوع الكنيسة للحزب الوطنى الحاكم فى الثلاث عقود الأخيرة ، ولماذا يختار رجال الدين الموقف اليمينى بهذا الصدد مع المجلس العسكرى الآن فى كل مواقفها وفى اعلامها ، ومن ثم فان قراءتى لهذه الآيات وتحليلى لها ليس اختراعا بشريا او سفسطة هوائية او اصدار فتوى دينية جديدة بل هى مركزة ومستفاضة من عدة تفاسير اهمها تفسير القمص تادرس يعقوب ملطى راعى كنيسة مارجرجس بسبورتنج ..
1 - "١ لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِينِ الْفَائِقَةِ، لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ اللهِ، وَالسَّلاَطِينُ الْكَائِنَةُ هِيَ مُرَتَّبَةٌ مِنَ اللهِ"
"كتب الرسول بولس: "لتخضع كل نفس للسلاطين، لأنه ليس سلطان إلا من الله، والسلاطين الكائنة هي مرتبة من الله" [1]، ذلك في الوقت الذي كان فيه نيرون يضطهد الكنيسة بكل عنف. إذ كان يؤمن إن نيرون أيضًا ـ بالرغم من شرّه ـ قد أقيم بسماح إلهي لخير الكنيسة، وليس عمل الكنيسة أن تقاومه لا في الظاهر ولا بالقلب، إنما ترد مقاومته بالحب والخضوع في الأمور الزمنيّة مادامت لا تمس إيمانها بالله.” – تفسير القمص تادرس يعقوب ملطى
يفسر لنا القدّيس يوحنا الذهبي الفم هذه العبارة موضحًا إننا نلتزم بالخضوع للرؤساء والحكام، لأن هذا التدبير هو من الله، لا بمعنى كل ملك أو مسئول أقيم من عند الله، وإنما التدبير ذاته هو من الله، إذ يقول: [ماذا تقول؟ هل كل حاكم اختاره الله؟ نجيب: لست أقول هذا، فإنني لا أتحدث عن أفراد وإنما عن المركز نفسه، إذ يجب أن يوجد حكام ومحكومين، حتى لا تسير كل الأمور في ارتباك، فيصير الناس كالأمواج يتخبطون من هنا وهناك، هذا ما أقول عنه إنه حكمة الله. لذلك لم يقل: "لأنه ليس حاكم إلا من الله" وإنما يقول: "ليس سلطان إلا من الله". وذلك كما يقول الحكيم: "زواج الرجل بامرأة من عند الرب" (أم 19: 14 الترجمة السبعينية)، بمعنى أن الله أوجد الزواج لكن هذا لا يعني أنه هو الذي يأتي بكل رجل يتزوج بإمرأة. فإننا نرى كثيرين يتزوّجون للشرّ تحت شريعة الزواج، هذا لا ننسبه لله.-نفسير القمص تادرس يعقوب ملطى

ومن هنا يتضح جليا أن بولس الرسول يتحدث عن وضع اجتماعى عام .. فلم يقل ليخضع المؤمنين بل قال " كل نفس" ، هو يتحدث عن علاقة الرئيس بالمرؤوس ، كما سبق وتحدث عن علاقة الرجل بالمرأة ايها النساء اخضعن لرجالكن كما للرب (اف  5 :  22) ..ويتضح ايضا أن كلمة سلاطين هنا غير مرتبطة بأشخاص ، ولكن مقصود بها سلطات لذلك قال فائقة وليس "الفائقون" وهذا يظهر اكثر وضوحا فى الترجمة الانجليزية لكينج جيمس

"Let every soul be subject unto the higher powers.."

كما فى ترجمة كتاب الحياة :

"على كل نفس أن تخضع للسلطات الحاكمة فى الدولة " (كتاب الحياة رو13 : 1 ع 7 )
لذلك فبولس الرسول يوضح البناء الاجتماعى للسلطات فى الدولة وعلاقة الانسان (الطبيعى ) لها طالما ساروا على نهج المنوال ، فالطبيعى ان تخضع الزوجة للرجل ، وأن يخضع الأبناء للأباء ، وأن يخض الموظف لمديره ، وأن يخضع المرؤوس لرئيسه .. ولكن السؤال : الى أى مدى يكون هذا الخدوع ..؟؟ هذا يتوقف على معنى كلمة خدوع فى الكتاب المقدس .. وهذا الذى سيتضح أكثر لاحقا ..

٢ "حَتَّى إِنَّ مَنْ يُقَاوِمُ السُّلْطَانَ يُقَاوِمُ تَرْتِيبَ اللهِ، وَالْمُقَاوِمُونَ سَيَأْخُذُونَ لأَنْفُسِهِمْ دَيْنُونَةً."

يكمل القدّيس يوحنا الذهبي الفم مظهرًا أن الخضوع هنا ليس لأجل منفعة زمنية، وإنما من أجل الله نفسه. فالخضوع هنا لا يعني ضعفًا بل "طاعة في الرب"

كما يظهر ذلك ناشد حنا فى تفسيره للكتاب المقدس  :

في العدد الأول رأينا أن المؤمن يخضع، وفي هذا العدد نقرأ أنه لا يقاوم. بل يوجد أكثر من ذلك، إذ نقرأ في الرسالة إلى تيطس أن المؤمن يجب ألا يطعن في أحد ولا يخاصم، بل يكون حليماً ومُظهراً كل وداعة (تي1:3، 2). قد تقع على المؤمن مظالم، فماذا يفعل؟ لا يقاوم، ولا يطعن، بل يخضع ويصلى. وأيضاً ’’يحتمل أحزاناً متألماً بالظلم‘‘ (1بط19:2)، ’’لأن هذا فضل عند الله‘‘. ’’وهو يمجد الله من هذا القبيل‘‘. والمسيح هو المثال الكامل في هذا. وأما الحاكم الظالم فلله تعامل معه، لأنه الأعلى الذي يحاكم.

وهنا أود أن أضع نقطة نظام لايضاح الأمور .. :

كما سبق وأن ذكرت أن بولس الرسول أرسل هذه الرسالة لأهل رومية المضطهدين من نيرون وهو اضطهاد دينى ، والايمان بالمسيح يحتم علينا ان نقبل الضيق والألم (من أجل اسم المسيح ) بمعنى ان اُضهد أحد بسبب المسيح فطوبى له ، يقول سفر اعمال الرسل "و اما هم فذهبوا فرحين من امام المجمع لانهم حسبوا مستاهلين ان يهانوا من اجل اسمه (اع  5 :  41)" وهذا يشترط الفرح الداخلى والشكر بهذا الاضطهاد لأن حساباتهم العقلية اقتادتهم لايمان قوى وهو الفرح من اجل الاهانة على اسم الرب يسوع ، اما ان لم يكن لك هذا الفرح فجدير لك أن تطلب حقك وترفع دعواك بكامل حقوقك الى قيصر ، وتشتكى وتصرخ مع بولس الرسول : " لاني ان كنت اثما او صنعت شيئا يستحق الموت فلست استعفي من الموت و لكن ان لم يكن شيء مما يشتكي علي به هؤلاء فليس احد يستطيع ان يسلمني لهم الى قيصر انا رافع دعواي (اع  25 :  11)

وهنا نجد بولس نفسه يرفض أن يحاكمه اليهود ويطلب بكامل حقه كمواطن رومانى أن يحاكم امام قيصر ، وهذا هو الخيار الذى يختاره الانسان حسب الحكمة المقتضى له اما ان يقبل المهانة ( ولكن بفرح وخضوع وعزاء داخلى فى الاستحقاق بالمشاركة فى آلام السيد المسيح ) واما ان ترفع دعواها الى قيصربالطرق البيروقراطية المعروفة وان لم توجد طرق بيروقراطية قوية يستطع ان يعبر عن رأيه بكل قوى بعيدا عن اعمال العنف التى نهانا عليها السيد المسيح ، اذا فالمظاهرات ليست سوى رفع دعوى الى قيصر الذى يقضى اوقاته فى كوكب آخر لا يسمع لأحد ولا يلتفت لأحد طالما اقتاداتها روح الشجاعة والسلمية ، اما اذا قبل المسيحى الاهانة والسكينة وهو مستاء من داخله وحزين ومنكسر فهذا لا يحسب اكليلا سمائيا بل يقع تحت بند "الخنوع" وهو مكرهة للرب .. والخضوع مرتبط بالتعزية والفرح الداخلى اما الخنوع فهو مرتبط بالمذلة والحزن والانكسار ، وكلاهما ظاهرهما .. ( السمع والطاعة ) .
لذلك نسأل .. هل ما نراه الآن على الساحة السياسية من منبر الكنيسة على قنواتها الاعلامية .. خضوعا ام خنوعا ؟؟ أجيبه ان كان بالحق خضوعاً فلماذا تشتكى فى برامجها المستمرة على قنواتها ، ولماذا تصوم من أجل الأحداث الجارية 3 ايام ولماذا تطالب بالافراج عن المتورطين فى سجون امن الدولة ولماذا تعانى من قوانين عدم الانصاف فى بناء دور العبادة .. هل قبلت ما يحدث لها بفرح؟؟ وان قلنا انها لم تقبله بفرح .. وتطالب بحقوقها كما فعل بولس ، لماذا نتغزل فى قياداتها وننعتهم بالاخلاص حسن الادارة  ؟؟ كيف تشكو من سارق وتنعته بيده النظيفة ، وكيف تشكو من قاتل وتصوم من أجل أن يرفع الله هذه الضيقة وتنعته بالاخلاص و"وحسن الادارة فى الوقت الراهن" ؟؟ لمن يكون التسبيح .. هل الى الله .. ام الى الحاكم ..؟؟ الا يعلم قيادات الكنيسة أن : "مبرئ المذنب و مذنب البريء كلاهما مكرهة الرب (ام  17 :  15)"


(ونكمل ... (تباعا تفسير ناشد حنا ) ..

 على أن المؤمن معفي من الخضوع للسلطان في حالة واحدة وهي: إذا طلب السلطان أمراً مخالفاً لكلمة الله وللضمير الصالح. وفي هذه الحالة ’’ينبغي أن يُـطاع الله أكثر من الناس‘‘، ولتكن النتائج ما تكون. كما قال الفتية الثلاثة لنبوخذ نصر ’’يا نبوخذ نصر لا يلزمنا أن نجيبك عن هذا الأمر. هوذا يوجد إلهنا الذي نعبده يستطيع أن ينجينا ... وإلاّ (أي سواء نجانا أم لم ينجنا) فليكن معلوماً لك أيها الملك أننا لا نعبد آلهتك ولا نسجد لتمثال الذهب الذي نصبـته‘‘ (دا16:3-19). وكما فعل بطرس ويوحنا عندما طلب منهما الحكام ’’أن لا ينطقا البتة ولا يعلما باسـم يسـوع‘‘. فأجاباهم ’’إن كان حقاً أمام الله أن نسـمع لكـم أكثر مـن الله فاحكــموا‘‘ (أع18:4، 19). فالمؤمن يخضع للسلاطين في حدود الطاعة لله. ’’في الرب‘‘. والنتيجة لا بد أن تكون لخير المؤمن ولمجد الله. – تفسير ناشد حنا

وهنا يكمن السر .. السيد المسيح علمنا روح الوداعة والطاعة والمبدأ العام – كما اوضحنا -  هو الخضوع وليس الخنوع ، فسبق وذكرنا أن الخضوع مرتبط ب " طاعة فى الرب " ، والطاعة فى الرب تحتكم لكلمة الله وللضمير النقى للانسان وفيما لا يخالف وصيته وتعاليمه ، وبعكس الخنوع وهو الانكسار والمذلة امام الحاكم ونفاقه لتحقيق مصالح خاصة او خوفا منه او كما يُدعى "فى مصلحة الكنيسة" او "هذه حكمة القيادة "  .. فهل تتفق مصلحة الكنيسة بالخنوع ؟؟ وباعلان التأييد للحاكم لأنه أفضل من غيره ، أو خوفا من حلول "أسوأ منه " أو خوفا من غضبه والنكاية بها ؟؟ ام هو خضوع "فى الرب" دون تزييف او تجميل او محاولة لتزيين الحقيقة الجوفاء ..

لقد تراجعت الكنيسة عن كثير من أدوراها الأساسية فى الكرازة وتوصيل رسالة الخلاص بل وتبرأت ممن أتوا الى المسيح حديثا خوفا من نكايات أمن الدولة والضغوط الدولية عليها ، خاف قيادتها ان يعلنوا بصوت صارخ آخر وصية أرسلها المسيح الى تلاميذه قبل الصعود "و قال لهم اذهبوا الى العالم اجمع و اكرزوا بالانجيل للخليقة كلها (مر  16 :  15) " حتى انحصروا داخل كنائسهم وانعزلوا عن مجتمعتهم واغلقوا ابواب السفينة امام المتشبثين بالنجاة وطالبين العون .. ونسوا وصية الرب لبولس "فقال الرب لبولس برؤيا في الليل لا تخف بل تكلم و لا تسكت (اع  18 :  9).

اما الآن فقد خفنا وسكتنا .. وماذا كانت النتيجة ؟؟ هل نفعنا الخنوع ؟؟ - هل صارايمان كنيستنا شهادة لها ، ام ضعفت ايمان ابناءها ونسوا أن هناك "الله ضابط الكل " ولا يوجد شئ يمر الا بإذنه ، ولكن الكنيسة عوضا أن تحث أولادها على القبول بفرح وتحول ناظرهم الى فوق وتقدم ابناءها الى الشهادة بفرح، أخذت دور محامى القضايا الدنيوية ، وصارت ترفع القضايا باسم الناس وتدخل فى مغازلات وصفقات مشبوهة من أجل الدفاع عن حقوق الأقباط والأقليات ، وتارة تغازل السلطة وتارة تقف بجانبها من أجل مستقبل مشرق ، ولكنه لا يغرب الا أمامها.

اذا:
هنا يظهر سؤال .. ماذا يقصد بولس الرسول بان من يقاوم السلطة يقاوم ترتيب الله ..

ان ما يتحدث عليه بولس من مقاومة لترتيب الله هو التمرد ، اى عدم الخضوع للسلطان لحاكم "يستحق " الخضوع ، مثل عدم طاعة الوالدين فى أمر وهم يستحقون الطاعة ، اذا ان الطاعة المخالفة لضمير الكنيسة وضمير الله ليس الا تذللا ورياء .. فالقاعدة العامة كما قيلت بالروح القدس على لسان القديس بطرس "فاجاب بطرس و الرسل و قالوا ينبغي ان يطاع الله اكثر من الناس (اع  5 :  29) . فما كان من يوحنا  المعمدان أن صرخ فى وجه الحاكم هيرودس وقال له " لا يحل لك " وبقوة حتى أمر بقطع رأسه واستحق شهادة "أعظم مواليد النساء" من السيد المسيح نفسه ، وهكذا فعلت القديسة دميانة حينما انتهرت أبيها (بالرغم من وصية الطاعة والاكرام ) لأنه بخر للأوثان خوفا عليها فقالت فيه صارخة " لمت القديسة بما عمله والدها، أسرعت إليه ودخلت بدون سلام أو تحية وقالت له: ما هذا الذي سمعته عنك؟ كنت أود ان يأتيني خبر موتك، من ان اسمع عنك انك تركت عنك الإله الذي جبلك من العدم إلى الوجود، وسجدت لمصنوعات الأيدي. اعلم انك ان لم ترجع عما أنت عليه الآن، ولم تترك عبادة الأحجار، فلست بوالدي ولا انا ابنتك، ثم تركته وخرجت." ( سنكسار 13 طوبة )

بالبنط العريض :

اذا فتعاليم الكتاب واضحة .. لا تقبل خبرا كاذبا و لا تضع يدك مع المنافق لتكون شاهد ظلم (خر  23 :  1)
من يتفوه بالحق يظهر العدل و الشاهد الكاذب يظهر غشا (ام  12 :  17)
اللسان الكاذب يبغض منسحقيه و الفم الملق يعد خرابا (ام  26 :  28)

نعود لباقى الآيات :

"فَإِنَّ الْحُكَّامَ لَيْسُوا خَوْفًا لِلأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بَلْ لِلشِّرِّيرَةِ. أَفَتُرِيدُ أَنْ لاَ تَخَافَ السُّلْطَانَ؟ افْعَلِ الصَّلاَحَ فَيَكُونَ لَكَ مَدْحٌ مِنْهُ ، لأَنَّهُ خَادِمُ اللهِ لِلصَّلاَحِ! وَلكِنْ إِنْ فَعَلْتَ الشَّرَّ فَخَفْ، لأَنَّهُ لاَ يَحْمِلُ السَّيْفَ عَبَثًا، إِذْ هُوَ خَادِمُ اللهِ، مُنْتَقِمٌ لِلْغَضَبِ مِنَ الَّذِي يَفْعَلُ الشَّرَّ.  لِذلِكَ يَلْزَمُ أَنْ يُخْضَعَ لَهُ، لَيْسَ بِسَبَبِ الْغَضَبِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا بِسَبَبِ الضَّمِيرِ.  فَإِنَّكُمْ لأَجْلِ هذَا تُوفُونَ الْجِزْيَةَ أَيْضًا، إِذْ هُمْ خُدَّامُ اللهِ مُواظِبُونَ عَلَى ذلِكَ بِعَيْنِهِ. ٧ فَأَعْطُوا الْجَمِيعَ حُقُوقَهُمُ: الْجِزْيَةَ لِمَنْ لَهُ الْجِزْيَةُ. الْجِبَايَةَ لِمَنْ لَهُ الْجِبَايَةُ. وَالْخَوْفَ لِمَنْ لَهُ الْخَوْفُ. وَالإِكْرَامَ لِمَنْ لَهُ الإِكْرَامُ."

إن غرض الله من إقامة الحكام هو أن يخيف من يفعلون الأعمال الشريرة أما الذين يفعلون الأعمال الصالحة فلا يخافون السلطان، بل يمدحهم ويرفعهم .. وقد أعطاه الله السلطة والحق كى ينفذ العدل والحق ، وعلى الانسان المسيحى او الكنيسة ان تخضع له ليس بروح الغضبب (بالخنوع )) بل بضميرها فى ضوء كلمة الله ،  ولأجل هذا توفي جميع حقوق الدولة بحسب قول المسيح "اعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله وحتى تلك الحقوق توفى فيما لا يخالف تعاليم الكتاب المقدس ،  .. وفى النهاية يختم .. الجزية لمن له الجزية .. والخوف لمن يستحق الخوف .. والاكرام لمن هو جدير بالاكرام ..

اذا فالكنيسة (خاضعة) للقوانين .. وليست (خانعة ) ، وهى توفي ما عليها من مستحقات لدى الدولة ، وليس لها شأن بأى نظام سياسى موجود ، فهى تصلى من أجل الحاكم (حتى لو كان ظالما او فاسدا ) ولكنها تخضع له فيما لا يخالف تعاليم الكتاب المقدس ، وتكرمه حينما يستحق الاكرام ولاتنافقه ان كان فاسدا .. بل ستظل ( خاضعة ) له ومصلية من أجله ، وان استدعت أن تقول كلمة حق .. تقولها بصوت عال ومسموع ، وان خافت من بطش حاكم او فاسد صار خضوعها خنوعا ، وصار علو هامة رأسها انكساراً .. لأنها نبذت اهم تعليم .. "الاكرام لمن له الاكرام ".

فأنا كمسيحى ، أتبرأ من الأكرام لمن لا يستحق الاكرام والخوف لمن لا يستحق الخوف ، لأنهم ليسوا خدام الله بل هما خدام ابليس وملائكته ولا استطيع ان اكرم ابليس وخدامه ، بل سأصرخ فى وجه من لا يستحق الاكرام وأعلن فساده على الملأ ، وخضوعى لقوانينه واجبة طالما لا تمس حقوق الآخرين ولا تخالف تعاليم الانجيل ، اما ان كانت قوانين ظالمة ، و تأكل حقوق الكثيرين فلايجب السكوت عنها .. اذ اعود وأقول .. انى خاضعا وليس خانعا .
 أندرو أشرف
1-2-2012

السبت، ٧ يناير ٢٠١٢

مصر العذراء .. بين البابا والكنيسة



وبدأت العظة .. وحمل البابا بيده ورقة الهتاف .. وكعادته كل عام يبدأ فى سرد الأسماء واحدا تلو الآخر من الحاضرين ، كى ينتهى كل اسم بهتاف من الشعب وتصفيقا حادا ، او تصفيقا متوسطا او عادٍ بحسب ثقل كل ضيف فى قداس العيد ...
ولأن البابا شنودة على مدار تاريخه اعتاد ان يشكر طرفا رئيسيا فى مقدمة (قائمة الهتيفة) كل عام تبدأ دائما بتحية نائب المخلوع سواء كان جمال مبارك فى عيد الميلاد او (شخصية مغمورة) فى عيد القيامة .. وهذا للتودد لكلا الطرفين ، للأقباط من ناحية لانه مندوب الرئيس .. وللاسلاميين لأن جمال مبارك بنفسه غير معترف بقداس القيامة وينوب المخلوع فى الحضور تلك الشخصية الكارتونية المغمورة ..
فى ذلك العام حالة منفردة بنوعها .. فبعد ان صار الرئيس مخلوعاً ، وصار نائب عيد الميلاد محبوساً ، وتسلم السلطة العسكر ، كان من الطبيعى جداً ان نتنعم بنفس نغمة التحية للظلمة والفاسدين مثلما سمعناها 30 عام من قداسته ، وان كنا قد رأينا بأعيننا تحية قداسته للنائب الحبيس بعد حادثة القديسين باسبوع ، فلن أتعجب من تحية قداسته للعسكر الذين ذبحوا الأقباط ثم غسلوا أيديهم منها مثل بيلاطس .. حقا أن بيلاطس لن يغفر له برغم غسل يديه من جرم صلب المسيح .. كذلك المجلس العسكرى مهما فعل .. فسيظل التاريخ شاهداً على دماء ابناء ذلك الوطن الذين دُهسوا تحت مدرعاتهم ..
برغم انى أطعن فى سلوك البابا السياسى ، وأتهمه فى خنوعه للحاكم وولاءه الدائم للسلطة حتى ان كانت فاسدة ، الأ اننى لا اطعن فى كنيستى ، ففرق كبير بين مؤسسة دينية عريقة وبين قادة انعتهم سياسيا  بالفساد ، مثلما هتفت فى التحرير " الشعب يريد اسقاط النظام" وليس "مصر" .. فمصر ليست النظام ، والكنيسة ليست البابا .. فالبابا متغير .. انما عقيدة الكنيسة ثابته ، حتى ان والى عليها أكثر من بابا ..
والكنيسة فى المعنى العام هى ذلك الكيان الذى يرأسه السيد المسيح شخصياً ، فهى جسد المسيح ونحن المؤمنون أعضاء ذلك الجسد الواحد ، والبابا شنودة هو وكيل سرائر الله على العقيدة التى سلمها لنا .. لذا فهو ليس موكل سياسيا على امور السياسة وعلاقتها بالدولة .. وتعاليم السيد المسيح واضحة .. أعطوا ما لقيصر لقيصر ، وما لله لله ،  فالكنيسة هى كالسفينة التى تقود المجتمع روحياً وكالمنارة التى يلجأ اليها التائهون والخطاة للخلاص ، لذلك احدى اشكال الكنيسة هى السفينة ، التى يلجأ اليها الغارقون (فى الخطية) للنجاة ..
والكنيسة ليس لها شأن بمجريات الأمور فى الخارج ، ولا يجوز لها أن تدعو ابناءها باختيار مرشح عن مرشح آخر ، او انها توجه مدح او تحية لحاكم عن آخر ، او تتحالف مع مرشح دون غيره ، او تدعو حاكما او مرشحاً للعيد من عدمه ، او توافق على مقابلة رجل سياسى دون آخر ، .. فمن يريد ان يقدم التهنئة فأهلا وسهلأ ومن لا يريد فشكرا له ، لأن دعوة شخص دون آخر ليس الا تحالف سياسى هدفه رفع القبعة سياسيا وخفضها لآخر .. عفوا .. دعوة الكنيسة دعوة عامة .. ليس هناك مدعوين وغير مدعوين ، والتاريخ شاهد على مدى تجاهل التيارات الاسلامية فى الأزمنة الأخيرة ، والآن قداستكم تستضفها بالترحيب والابتسامات..  ولا يُعرف هذا الا انه موقفاً سياسياً بحتا .. يرحب بشخص دون الآخر .. ويسلم على شخص دون غيره .. حسب الصالح العام والموقف السياسى العام ، حتى ان زينت كلامك بعنواين المحبة والسلام ..


عفوا قداستكم ، اختلف وبشدة ..
يمكنك ان ترحب بكل المدعوين وتذكر الأسماء فقط .. دون اداة تجميل وفرش المصطلحات الماكييرية لكسب صف العسكر الخائن فى صفوفكم بعدما أعلنتم الحداد والصوم ثلاثة أيام على أرواح أبناءكم ، فليس لهذا مصطلح آخر سوى " النفاق السياسى" .. عفوا قداستكم ، ومن حق ابناءك ان يصفقوا ، أو يصمتوا ، أو يهتفوا بسقوط الحكم العسكرى ، فليس للعسكر حصانة روحية بعد ثناء قداستكم ، وان كان هذا موقفك السياسى الشخصى ، فعفوا .. هذا ليس موقف الكنيسة ككل ، وقداستكم أعلم بأن ليس للكنيسة موقفاً سياسياً لان هذا لا يعنيها ، ولم يوكلك السيد المسيح على هذا ..

ان كنت أختلف عن رأى قداستكم سياسيا ، فهذا ليس معناه انى اتبرأ من قداستكم (روحياً) ، وطاعتى لكم هى طاعة الأب لأبنه فى نطاق "ابويا الروحى " وابنكم الروحى" اما كونك أب سياسى .. فعفوا فأنا اتبرأ من قداستكم كأب سياسى وليس لى على هذه الأرض ابا سياسيا .. فأنا مولود من مصر العذراء فقط ..
وأتمنى .. كابن محب لك .. ان تبعد عن امور السياسة والحكم والحاكم .. ودع الله يقود كنيسته فى طريقها الذى يراه مناسبا ، وقداستكم  تعلم ان كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله ، وان دخولكم فى مثل هذه الطرق ليس له مسمى سوى انه "نفاق" و تذلل وخنوع ،وهذا مل لم يعلمنا اياه الرب يسوع ..  فربما تُعثر الكثير والكثير، وقداستكم تعلم .."الويل لم تأتى بواسطته العثرات " .. وكما يقول المثل الدارج .. "خطأ الكبير .. كبير "
الكنيسة ستظل صخرة قوية فى رياح المجتمع ، اما قادتها فليس معصومين .. وتاريخ الكنيسة اعتاد ان يرى كثيرا من المهرطقين كانوا قادة كنسيين .. ولكن الكنيسة كانت دائما تنتصر حتى على من خالفوا التعاليم .. حقأ اختلف معكم ..وأعلن بكل صراحة .. انك لا تمثلنى سياسيا .. وأرفض أن يكون للكنيسة رأى سياسى .. وأرفض أن تتحدث باسم الكنيسة فى السياسة .. فأنا ضدك سياسيا ولكن كنيستى دائما على رأسى ..
أندرو أشرف
 7 يناير 2012