الجمعة، ١٦ مارس ٢٠١٢

قانون الطبيعة الانسانية


"قانون الطبيعة الانسانية"

لم ينتظر الانسان الاعلان العالمى لحقوق الانسان الصادر فى ديسمبر 1948 كى تنفتح عيناه على شيئا جديدا لم يكن يدركه من قبل ، بل كان هذا الاعلان هو بمثابة خلاصة المبادئ الانسانية والطبيعة البشرية الموجودة فى جميع الأديان بل وقبل الأديان ، فمنذ بدء التاريخ والانسان دائم الحيرة ..تسنت معه مفاهيم لم يعلم ماهيتها ،وولدت بداخله قيم لم يدرك مصدرها ، فظهر عنده "خير" و"شر" ، و"جيد" و"ردئ " ، و"ظلم" و"عدل" ، و "طيب" و "شرير" ، كما وجد نفسه تتسق مع جانب واحد وترفض النقيض ، فوجد نفسه يحب شيئا اسما " خيرا " وينفر من شئٍ اسماه " شر " ، ويحث على "العدل " ويكره "الظلم" ، ويحب "الحرية " ويكره " العبودية" ، فأخذ يبحث عن سر اتساق ذاته مع هذا الجانب ، ولماذا تسعد نفسه مع ذلك الشق "الخيرى" وتنبذ ذلك الشق "الشرير" ، وتساءل ما هى هذه المسطرة الفطرية التى جعلت الانسان يرتاح الى واحد وينبذ الآخر ؟؟
وعلى الرغم من اتساق سعادة نفسه مع الخير يجد نفسه "يميل" للشر ، فعلى الرغم من حبه للعدل يجد نفسه "يظلم ويقهر " ، وعلى الرغم من حبه للحرية وجد نفسه "يستعبد" .. فبدأ فى داخله الصراع .. صراع "الالهة" ، صراع القوة التى تجعله يفعل الشر الذى يكرهة ، مع القوة التى تجعله سعيدا راضيا ومتسقا مع ذاته .. هذا الصراع على مدار العصور بحث فيه الفلاسفة والمفكرون ومنهم المفكر "س . اس . لويس " ودعاه  "قانون الطبيعة الانسانية" ويتلخص فيما يلى 

"تتسق ذات الانسان مع "الخير" ولكنه يفعل ما لا يحبه "الشر"



وطبقا لهذا القانون بدأ الانسان يبحث عن وجود قوة خارقة تساعده ان يحيا تلك الحالة (التى تتسق روحه عليها ) ، بدأ يبحث عن قوة تفوق من يظلمه او من يقهره ويستعبده ، قوة تحفزه ان يقدم العون للآخرين وينشر العدل والسلام والحب ، شعر فى داخله ان الانسان لم يوجد فى الحياة صدفة وهباء ، وانه وُجد لسبب لا يدركه ، وهدف لا يعلمه ، وشعر انه لابد ان تتحقق قوانين الحياة بطبيعتها لانصاف "الخير"  ، فلا يمكن ان يستمر الظلم ومن يظلم سوف تنتقم منه "الالهة" ، وان المظلوم سوف يُنصف آجلا او عاجلا ، وان لم يكن فى هذه الحياة فسينصف بعد موته ( ومن هنا أتت فكرة البعث والحساب ) ، وأن السعادة تكمن فى ان يفعل الانسان ما تتسق معه روحه.
فحب الحرية والحق فى الحياة والمساواة والحب والسلام وعمل الخير مدفونة داخل الانسان بفطرته ، لم تحتاج لملقن كى يعلمها له او  رسول كى يغرسها له ، فهذه هى طبيعة الانسان كما وجدت ،  فلم تأتى الأديان بجديد سوى انها اكدت على تلك المبادئ المحفورة داخل الانسان وأكدت على ان ما يشعر به الانسان صحيح ، هى فقط انارت له صوابه نحو الاله الذى يبحث عنه ، وحثته على الطريقة المثلى ان يحيا بها على الأرض ، كى يستكمل حياته المثلى فى الآخرة . لم تفعل الأديان شيئا جديدا سوى انها أكدت ان للأنسان هدفا من وجوده وأعطت لقوى الخير اسم "الله" وقوى الشر "الشيطان " . وأن حب الله هو حب العدل والرحمة والإخاء والسلام ، وما ناقضه هو عدم حب "الله" .
لم تأتى الأديان منافية لفطرة الانسان الغريزية ، بل حثته على نشر العدل والمساواة والسلام والحب ، ووعدته بالمكافأة فيما بعد الموت ، وحذرته مما لا تتسق معه ذاته من كراهية الآخر والعنف والحقد والظلم ونشر البغضاء والتعصب .. (السير وراء الشيطان ).
وللأسف ، الكثير من الناس يظن ان دينه قد أتى بما لم يأتى مسبقا فى تاريخ البشرية ، وما لم يفكر به أحداً من قبل وانه – اى الدين -  الذى هدى الناس الى الحق بعد الضلال وقاد الناس من الظلام الى النور والهداية ، وبالتالى فان معتنقه الوحيد على حق والباقى على خطأ ، ومن ثم يتخذ من الخير الذى يؤمن به وسيلة "ليفعل" الشر الذى "لا يريده"  فيكون الدين بالنسبة له هو وسيلة لقيادته نحو "الشر" الذى "لا يريده " ، يحاول ان يضفى شرعية الهية الى ما يميل اليه من تعصب وكراهية ونبذ الآخر. وفى الحقيقة : ان وجود مثل هؤلاء انما يؤكد على صحة  "قانون الطبيعة الانسانية " الذى ذكرناه ، فتجده انما يحاول ان يرد على الصوت "الفطرى الطبيعى " بداخله بما يوجد فى" دينه " كى يحاول تخديره واخماده ، فذلك المتعصب والغير متقبل للآخر لا يجد مفرا من ان يصطدم مع ما بداخله من المبادئ الانسانية المولودة معه الا بتفسير الآيات الدينية كما تهواه عقله حتى يسكتها ويخمدها ولكنها لن تصمت ابدا .
ان الاعلان العالمى لحقوق الانسان ليس الا المبادئ الانسانية المولودة داخل كل البشر ، فهى فوق جميع الأديان لأنها مولودة بداخل كل شخص ، فجميع الناس احرار ولهم الحق فى الحياة والاختيار والتعبير والابداع ، ولهم الحق فى ان يختاروا حكامهم وقادتهم ، وان الانسان عليه ان يكون مثمرا فى المجتمع ، لم يوجد من أجل ذاته بل لأجل الآخرين دون أى تمييز عرقى ، يساهم ويشارك فى المجتمع الذى وجد فيه ويصير واحدا فيه جزءا لا يتجزأ منه .. وعندم يرفض الانسان هذه الافكار بأى مبررات سواء كانت معيشية او دينية عليه ان يراجع فهمه لعقيدته جيدا لان هذا هو المفهوم الفطرى المولود معه المتسق مع ذاته  .
الخلاصة : " ليس الدين الا الوسيلة التحفيزية لفعل ما يتسق مع الطبيعة البشرية ، وان لم تجده متسقا عليك ان تراجع فهمك لعقيدتك .. وبالتأكيد ستجد نفسك مخطئا "

أندرو أشرف
16-3-2012

هناك تعليقان (٢):

  1. Martha:
    رائعة يا اندرو :)
    "وبالتالى فان معتنقه الوحيد على حق والباقى على خطأ "
    بس انا شايفة ان من حق اي بني ادم ان يشوف عقيدته هي الصح .... بس ده مايمنعهوش ان يشوف ان في الباقي نسبة من الصح
    والصح ده وجهة نظره واللي قادر يشوفوه ... ؟؟؟ زي ماسي اس لويس بيقول .... يعني اقصد ان مش اقتناعك بعقيدتك هو سبب انك شايف اللي حويليك غلط

    ردحذف
    الردود
    1. Andrew
      اكيد .. المهم انك تدرك ان (صح ) دى بالنسبة لك مش بالنسبة للانسانية .. اى بالنسبة للمجتمع .. بمعنى تانى انك هتتعامل مع غيرك ان دينى زى دينك زى اى دين لاننا متشابهين فى القيم والمبادئ ..ومفيش صح و غلط .. انما (صح) او ( غلط ) كل واحد بيؤمن بيها على اساس آخرته .. مش (دنيته) ..:)

      حذف