الثلاثاء، ٢٠ مارس ٢٠١٢

قبل أن تثور من أجل الانسانية ...!


فاجأنى خبر وفاة قداسته ولم اتخيل حجم المأساة الا حينما عاينت بنفسى جثمانه وهو راقد على كرسى مامرقس ، كم تذكرت القداسات التى انتظرها فى العيد من عام لآخر .. وتذكرت عظة الأربعاء التى اتشاغف لسماعها ، والكتب التى أقضى اوقاتى معها فى روحانية السماء .. تذكرت كيف كنا ننتظر موقف البابا من اى حادث يمس الأقباط ؟ .. تذكرت كيف كنا ننتظر كلمة البابا فى امر عقائدى مثلا .. تذكرت كيف كانت ردوده الحكيمة التى افحمت جميع المتربصين به ... تذكرت كيف اتفرغ لرؤيته حينما يتجلى على شاشات التلفزيون .. تذكرت كيف كنت اتناقل دعاباته من وقت لآخر وأضحك بها مع أصدقائى.. تذكرت شعورى ان لنا سندا فى هذا البلاد نتكل عليه حينما نقع فى الضيقة...تذكرت .. وتذكرت .. بدأت أشعر انى يتيما رغم حياة أهلى وشعرت فى داخلى ان مصر قد خسرت رمزا وطنيا اصيلا ، لم يشأ فى لحظة ان تحيا قيد الفتن والانشقاقات .. سعى وتنازل عن كثير من حقوق الأقباط ولكنه فضل مصلحة بلاده فوق مصالح طائفية.. عاش حياته يقدم و يخدم حتى آخر نفس .. لم يبح بآلامه النفسية والجسدية التى ظل يعانيها نتيجة لمرضه واضطاهاداتٍ لشعبه .. واكتفى دائما يسند شعبه بعبارته الشهيرة وايمانه الراسخ.."ربنا موجود" .


تعجبت من ردود الفعل لكثير من الناس حينما تهكموا على رثاء الأقباط لسيدهم ، تهكموا وسخروا من دموع الملايين على رئيس كنيستهم .. ذلك الرجل الذى شهد له العالم كله بمحبته وعطاؤه .. حزنت مثلما حزنت على الذين قتلوا فى محمد محمود ، ومثلما بكيت فى احداث بورسعيد ـ ومثلما ذرفت فى احداث ماسبيرو .. انها الانسانية التى تحترم كل انسان .. تفرح بميلاد جديد .. وتكره القتل و الفراق .. لا تشمت فى موت انسان حتى لو كان ظالما .. انها الفطرة الانسانية التى زرعت بداخلنا ..
هل يعقل ان ادافع عن الانسانية وادافع عن حقوق كل انسان فى الحياة .. وعندما أجد من يبكى لفقدان حبيبٍ اسب له من يرثيه حزناً ..
هل يعقل ان اذهب مأتم واذهب اليهم ضاحكا ومستهترا .. "انت جاى تعزى ولا تهرج .. لأ انا جاى أهرج " ..؟؟!
أليس من أبسط قواعد الانسانية هى ان تفرح مع الفرحين وأن تحزن مع الحزانى .. الا ترتدى الفتاة الأبيض فى زفافها وترتدى الاسود حينما تفقد عزيزا ...
ان كنت (تكره او ترفض ) شخصا لأنك فقط تختلف معه فى الرأى - وحتى ان كانت آراءك قريبة من الناحية الانسانية - فكرهك له او رفضه بشكل عام يتنافى عن ما تدافع عنه .. لان التنوع هو فقه الحياة وتقبل التنوع والاختلاف هو اولى قواعد الانسانية ..
ان راجعت علاقاتك مع الناس ووجدت انك تحب و تكره الناس لأسباب معينة فمازال لديك الوقت الكبير كى تدرك معانى الانسانية الصافية .. وهى ان تحب الانسان فقط لأنه انسان .. وتدافع عن حقه فى الحياة واعتناق اى افكار واى عقيدة فقط لأنه انسان !
لأا أطلب منك ان تتعاطف معى لرثائى ، ولا أطلب منك ان ترثينى قداسته .. ولكن أقل تقدير هو احترام مشاعر من يفقد عزيزا له حتى ان كنت تكرهه (كره العمى!) ..
لست محتاجا ان اعدد لك مواقف قداسة البابا الوطنية .. لانى لأ أريدك أن تتعاطف مع أحد لأى سبب .. فحتى ان تعاطفت مع احد لسبب ما فأنت قليل الانسانية ، فربما تعمق الاسباب مدى التعاطف ولكنها لا تخلقه ..  !
كما لا أريد أن أصدمك وأخبرك .. انك حتى ان فرحت بموت مبارك نفسه فأنت قليل الانسانية !!!
مازال كثير منا يحمل بداخله مبارك .. ويرفضون كل ديكتاتوريا بديكتاتورية ، ويقهرون كل رأى مختلف بقهر، وهذا "الفرعون"  حتى ان ازالوا اسمه من الميادين والشوارع والمدارس .. مازال محفورا داخل قلوب الكثير ...
يا من تثور من اجل الانسانية .. من فضلك اعتنقها قبل ان تثور من اجلها ... !!



هناك تعليق واحد:

  1. فعلاً محتاجين ان نعتنق الأنسانية و نتحرر من الفراعنة الداخلية في نفوسنا,, بس كويس اان الهزات العنيفة دي بتحصل في بلدنا عشان نعرف نفسنا و اللي حوالينا و نكتشف امراضنا و نحاول نعالجها :)

    ردحذف