الخميس، ٢١ يوليو ٢٠١١

تمثيلية : جلباب ولحية وصليب


تمثيلية : جلباب ولحية وصليب

"يرتدى جلبابا قصيرا يرتفع قليلا عن قدميه.. وله لحية طويلة مباركة  .. يناديه اهل الحارة بالشيخ .." صباح الخير يا شيخ سيد .. مساء الخير يا شيخ سيد " .. وهو مستمتع جدا بهذا اللقب .. فهو لقب مميز لا يناله الا صفوة اهل الحارة من العلماء .. والذين يبدو على وجوههم وقار الدين والتقوى .. يراعى تماما واجهته الدينية .. يهوى حلقات المجلس ومكبر الصوت واذاعة الخطاب .. يغير على دينه بشدة .. فلا يتحمل ان يرى منكرا امامه .. ولا يتحمل ان يرى ما يخالف عقيدته .. بل يكرهه بشدة ، فهو يظن ان كلما اقترب من الله كلما اشتد كراهية لكل ما هو غير مسلم ، فلا يتحمل ان يرى امرأة كاشفة شعرها ، فربما يقذفها بسباب التكفير وهى تمر من جانبه .. ولا يتحمل ان يستمع لجرس الكنيسة وهو يدق رناته ، فيشعر ان صوته هو صوت الدعوة للكفر والشرك بالله .. ، ينادى بحقوق أسيرات الأديرة كما يزعم ، وله مبدأه .. اسعى للحق بالقوة مهما كلفك هذا .. فلا يهمك الوسيلة .. فالغاية هى المطلوبة .. ويخرج ويسب (شنودة ) والنصارى ..مدعيا اخفاؤه لكاميليا شحاتة واخواتهن .. ويخرج فى المظاهرات امام الكاتدرائية ، حاملا صورة البابا شنودة رافعا عليها حذاؤه ويقود المظاهرات هاتفا بسقوطه .."
امثال الشيخ سيد هم وباء يصيب المجتمع فى كل الأديان وفى كل المجتمعات .. يظنون ان الدين هو مجرد فرائض وظواهر وقوانين شكلية يمارسها الانسان كى يصبح متدينا .. ويهملون تماما جوهر الدين فى حياة الانسان وهو تهذيب سلوكه واخلاقه وجعله مختلفا عمن حوله .. ان يكون شمعة فى وسط تيار مظلم يقتدى به الآخرين ..
هؤلاء اصحاب التدين الظاهرى دائمو النقد والنقض .. مدققين دائما فى عيوب الآخرين ، او فى اختلافاتهم .. ومعظمهم –على سبيل كثير من الاحصاءات – لا يلفت نظرهم الا العيوب التى يعانون منها .. فعندما ينتقد أحدهم ويسب فتاة كاشفة وجهها ,, فى الأغلب يعانى من هوس جنسى يجعله لا يتحمل هيأة فتاة تسير بجانبه دون غطاء .. وعندما يرفض التحدث مع القبطى او المسيحى .. فهو يعانى من حقد وكراهية من هذا المختلف ربما لا يتصف بها غير المؤمن .. وعندما يسب رموز الكنيسة – فهو يعانى من انتقاص داخلى منهم يجعله يصب جامات غضبه عليهم فى سباب ودعاء على الغير بالتهلكة ..
أصحاب التدين الظاهرى يعانون من مرض (التقوى الكذابة) .. فهم يظنون انهم دائما على صواب ومن يختلف معهم هو من الضالين والكافرين ، يدفعهم كبرياءهم الى سرقة حق الله وحده فى التكفير والايمان دون توكيل مسبق مختوم بختمه سبحانه !! .. يهتف هؤلاء انهم لا يعترفون بمسلم ليبرالى او علمانى .. فمن انتم يا دعاة المظهر؟؟ .. ومن أعطى لكم الصلاحيات بالاعتراف او عدم الاعتراف بدين أحد.. ربما تختلف معهم فى مذهبهم .. وتفصلهم عن مذهبك فى تفكيرك .. اما الدين كله فليس لك حق فى الاعتراف به من عدمه .. من انتم؟؟ !
أصحاب التدين الظاهرى ..يركزون دائما على مظاهر التدين وليس السلوك نفسه .. يرون ان بعض الملابس التى كان يلبسها رسول الاسلام هى اقتداء به وواجبة على كل المسلمين .. على الرغم ان رسول الاسلام او السيد المسيح لو كانوا قد اتوا فى عام 2011 لكانوا ارتدوا البدلة والكرافت والكاشوال وير فالسيد المسيح كان يطيل شعره ولحيته كعادة اليهود وكذلك ملابس النبى التى كانت تتوافق مع البيئة الصحراوية .. فهم لم يأتوا ليعلموك ماذا تلبس .. بل كيف تتصرف فى سلوكيات الحياة وكيف تكون مختلفا فى تصرفاتك تبهر بها من حولك وهذا بالتبعية ينعكس على ملابسك ومظهرك فيما لا يخالف تعاليم الدين وتقاليد المجتمع المعاصر  .. فالأنبياء كانوا يلبسون ما يتفق مع بيئتهم ولم يدّعوا ان هذه الملابس هى ابتكار عصرى لم يوجد مسبقا ، كذلك تجد - دعاة المظهر -  يركزون على نشر الحجاب بين الفتيات ولا يهمهم نشر ما الهدف وراءه ، فتجدهم يفخرون بكثرته وانتشاره .. دون ان يركزوا على سلوكيات الفتيات والهدف الجوهرى لارتداءه .. فالظاهر هو الهدف وما خفى كان اعظم !

أصحاب التدين الظاهرى .. يعانون من وباء مكافيلى ..فالغاية تبرر الوسيلة طالما تضع الهدف صوب عينيك فالكذب والسباب نوع من الجهاد فى سبيل الله طالما مع من يستحقون .. فالكفار لا يجوز معاملتهم كبشر .. فالانعام افضل منهم .. لان الدين عند الله الاسلام ومن يختلف مع هذا الدين لا ييتساوى مع اتباعه .. يظنون ان الحياة قد منحت لهم هدية وان هؤلاء قد خلقوا كى يكونوا عبيدا لهم وجوار لسد شهواتهم ..!
وباء التدين الظاهرى يعانى منه الكثير من المسلمين والمسيحيين  فى مصر .. فتجد ايضا فى الجانب الآخر من يكن كراهية للمتشددين دينيا .. وتجده يقف فى المظاهرات عند ماسبيرو يرفع هتافات طائفية متشددة ضد المسلمين والاسلام .. تجده يرفع الصليب بيده وفمه يحمل الفاظا نابية تجاه هذا المختلف .. تجدها ترتدى الصليب على صدرها وهى تكشف الكيثر منه ولا تندهش بين ذلك التناقد العجيب !

ان كان الدين هو لحية ونقاب وصليب ذهب فيبدو اننا لم نفهم رسائل اصحاب تلك الرسالات .. فالرمز الدينى يعبر عن فقط انتساب لهويتك الدينية فى البطاقة فقط !! .. اما المسلم بحق والمسيحى بحق هو من يظهر فعلا ما تدعو اليه رسالته ..
فما اسهل ارتداء غطاء للوجه او تطويل اللحية او ارتداء صليب .. ولكن الأصعب هو كيف ان تعلى من شأن ذلك الذى ترتديه وترمز له ، وأن تسلك كما يسلك اصحاب تلك الرسالات ، فأمثال الشيخ سيد لا يعلون من شأن دينهم كما يظنون .. وكنهم لحماقتهم يقومون بالعكس .. فمدح العقيدة او ذمها يأتى من السلوك اولا وليس ظواهره شكلية وقد قالها غاندى : "لولا المسيحيين لصرت مسيحيا .."
فالتدين الظاهرى اسوأ من غير المتدين .. فالبعيد عن الدين يعلم جيدا انه بعيد .. وربما يحاول الاقتراب ويحاول التقاط الفرص لاستماع دعوة الله اما من يظن نفسه قريبا وفى حضن الدين يدور فى حلقة مفرغة من خداع النفس ، ورجوعه لرشده ربما يكون أصعب لأنه متيقن انه على الطريق القويم وغير مخطئ ..
ان القدرة على الاصلاح لا تكمن الا فى محبة الآخر واحترام انسانيته ومع من يختلف معك .. فحبك له هو الدافع لنصحه حتى ان رفض النصح .. وحبك للوطن هو الدافع لتغييره ومحبتك للزانى هو الدافع لاصلاحه .. ومحبتك للسارق هو الدافع لتهذيبه .. فالمحبة هو ذلك السر الحقيقى المغير .. وليس الكراهية او الحقد او الغل الذى لا يهدف الا الهدم .. فمن الحماقة وكل الحماقة أن تحسب حبك الزائد لله  دافعا  لكراهية أحد ..
أندرو أشرف
21-7-2011


لمتابعة باقى مدونات قلم رصاص على الفاس بوك
https://www.facebook.com/2alam.rosas



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق