الخميس، ١٨ أغسطس ٢٠١١

اسماء محفوظة


أسماء "محفوظة"
ولدت من رحم مصر ، من رحم الحرية ، من رحم الكرامة .. خرجت تجول أرض مصر توقظ شعبها  "أفيقوا .. مصر تستحق أكثر من ذلك .. مصر أجمل مما ترونه الآن .. نعم نحن نستطيع ان نغيرها هيا " ، أخذت تنادى بها ولم يلتفت اليها الا القليل - الذين شاركوها الحلم .. ان تعيش مصر حرة مستقلة .. لا تلبس قناع الحرية ، ولكنها تحيا الحرية ذاتها ..
فتاة جميلة خرجت تنادى باعلى صوتها "عيش .. كرامة .. عدالة اجتماعية " ، رأت حولها أجساد الشهداء تتناثرمن كل جانب ولم تخشى ولم تهاب المنظر المروع .. بل رفعت ايديها الى الدعاء اليهم وحفظت صورتهم فى قلبها ، وأخذت على عاتقها امانة ثأرهم ، ودماء قاتلهم ، فأخذت ترفع صوتها أكثر فأكثر .. "عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية" والدموع تفيض من عينيها كى تنتقم لدماء هؤلاء الذين هتفوا حولها ، حتى جاء يوم الهتاف .. يوم الفرح .. انطلقت فيه الألعاب النارية تلون السماء الداكنة ، ودقت الطبول وساد التحرير جو من الفرح الغامر لم يشاهد مثله قبلا .. يوم اعلن فى الميدان انتصاره على الطاغية .. شعر انه ولأول مرة انسانا حرا كريما ، وسرت فى عروقه معنى الوطنية وان هذه البلد هى ارضه التى يخاف عليها ، شعر انه انسانا مختلف ،  نزل التحرير بعد جمعة التنحى لكى ينظفه .. دون ان يدعوه أحد .. فقط لأنه انسان .. وفاضت فى داخله مشاعر الانسانية ..!
"اسماء محفوظ" هى بطلة من أبطال الثورة الذين خرجوا فى استقبال رصاص قوات الامن والقناصة ، حاملين أكفانهم على ايديهم أمانة فى أعناق باقى المصريين .. هكذا كان شعور كل روح تنطق فى الميدان .. خرجت فى ظل انقطاع الاتصالات .. وهم يعلمون ان ذلك اليوم من المحتمل جدا ان لا يعودوا منازلهم .. وبالفعل كان ظنهم فى محلهم ..
أسماء محفوظ

مايكل نبيل سند

كان يوم التنحى يوما حافلا على مصر ولن يُنسَى ، وأخذت وسائل الاعلام التى كانت مع وضد الثورة تشدو لها .. وسرعان ما تناسى المصريون كم احتملوا من اهانة وتخوين لأنهم شعب طيب .. يحب بسرعة وينسى بسرعة .. او ربما .. يتناسى .. وظنوا ان الثورة قد انتهت .. فقد كان الهدف هو "الشعب يريد اسقاط الرئيس" .. وقد تم .. وهتف "الشعب يريد اسقاط النظام" ..وايضا قد تم ..اذا انتهت الثورة .. ونجحنا ..!!
لم تلبث بعض الايام القليلة ونجد ان الثورة التى سلمناها فى ايدى المجلس امانة لتنتهى كما اراد الشعب يتغير مسارها ، فوجدنا المجلس ينهج نهج مبارك فى ذات التعديلات الدستورية المشوهة وكأن الشعب لا يستحق دستورا جديدا يليق بثورته ودماء شهداؤه ، وكأن أفكار مبارك المقترحة حية بعد خلعه ، وقام المجلس بعمل الاستفتاء ، وكانت دعاية القوة المؤيدة لنعم .. انهم يريدون الاستقرار .. انهم يريدون سرعة رحيل العسكر من على هذا الكرسى ، ولكن يبدو ان المجلس بدأ يرمى لنا كرسى فى الكلوب ، ويبدو ان المجلس بدأ يغرس جذوره فى الكرسى حتى صار رحيله يوم بعد يوم اشد واصعب مما سبقه ..
لقد تعهد المجلس العسكرى انه لن يمس المدنيين فى محاكمات عسكرية الا من يتهم بالبلطجة او التحرش الجنسى  والتعدى على رجال الأمن العمد (رسالة 68 والآن هو فعلا ينفذ وعده بدقة ويقبض على كل من لا يعجب حضرة المجلس فى التعبير عن أراءه ، وكأن ثورة لم تقم ، بل استبدلنا غفير بغفير واستبدلنا مباحث أمن الدولة بالمحاكمات العسكرية ،  وصارت حرية الرأى والتعبير خط أحمر ضد المجلس الذى حمل على رايته مسئولية البلاد دون تفويض او اسناد ، بل أخذها من تلقاء نفسه و قد غره شعار الجيش والشعب ايد واحدة ، حتى زعم ان نعم التى قيلت لانهاء حكم العسكر بأقصى سرعة وحلول الاستقرار - كما زعم المستفتون – هى نعم للمجلس العسكرى ..!!
وبدأ مخيم آخر يقوده المجلس بخفافيشه وهى المحاكمات العسكرية ، والتى تعرض لها اول سجين رأى مايكل نبيل وصمتت اذهاننا عنه وتغافلناه بحجة انه يتحاور مع الكيان الصهيونى فى بث السلام -ان اتفقنا او اختلفنا معه – صار مايكل كبش  فداءَ المحاكمات العسكرية وصار كل من يلتحق بمايكل فى زنزانته يتذكر انه يوما ما قد قصر فى حقه حتى لازمه فى نفس المكان .. بل ربما مستقبلا نجد الثوار متجمعين فى مخيم مظلم واحد مع مايكل و يحاولون امساك ورقة وقلم ويجدون ان الخطأ هو عدم التطهير أولا باول .. فالفيرس السياسى يصيب اولا عضو صغير حتى ينتشر بشدة ولا تستطع ملاحقته بسهولة ..ربما يكون هذا ذنب مايكل وربما يكون ذنب كل بلطجى قدمناه هدية للمحاكمات العسكرية حتى صرنا نلاحقهم فى ذات التحقيق ، نحتسى نفس القهوة ونبيت فى المكان عينه ..!

ربما نجلس كلنا فى هذا المعسكر الاسود ونجد ان الرئيس الأعلى للقوات المسلحة سابقا والحاكم العسكرى (سابقا) يحاكم محاكمة مدنية ويجد الثوار انفسهم فى تلك المحاكمات وفى تلك الزنازين التى كان اولى بها من خلعوه ومن ثاروا ضده ومن تسببوا فى فساد مصر السياسى 30 عاما ومن اذاقوا الشعب المصرى كأس الفقر والذل والهوان طيلة ثلاثة عقود ، ومن قتلهم النظام على مدة فترة تشبثه .. اما من قدمت ارواحهم لكسر ذلك الرباط المتين بين ذلك الطاغية وكرسى الملك فصاروا مكان الطاغية الديكتاتور ...
ان نظام مبارك يبدو انه مقبع فى جينات كل من يحمل السلطة ، من المجلس حتى اصغر صاحب محل فى ورشة .. ، لم يأتى بعد وقت الاستشفاء ، ولم يحن وقت التعافى من هذا الوباء المباركى ، الذى كان منتشرا فى جذورنا طيلة 30 عاما .. هذا الوباء يحتاج ثورة ثم وقاية .. فلن تنتهى الثورة اذا ما وتوقفت الاحكام العسكرية ، ولن تنتهى الثورة اذا ما تسلمت السلطة ، سلطة مدنية منتخبة .. انها ثورة للابد ، الفرق بين قبل الدستور وما بعده ان الآن الشرعية فى ميدان التحرير ، وبعد الدستور الشرعية له ، ولكن ان تخلت الشرعية عن حقوق المواطنين سيعود ميدان التحرير ليس لاسقاط الدستور .. بل لتدعيم شرعيته .. وربما لاسقاطه .. ان خرج احد المتعاقدين كليا عن النص ..!
انها ثورة مستمرة ولن تنتهى ، ثورة على الفساد ، ثورة على الظلم ..ولا اتحدث عن الثورة بمفهومها الراديكالى(*) .. ولكنها ثورة ضد كل من اتخذ حقاً ليس له ، ولا يتعجل أحد الاستقرار .. فالاستقرار كان جزءا من المرض المباركى كى تسكن فى بيتك وتسلم قفاك للظلم فى سبيل لقمة عيش مغموس فى كأس المهانة.. ولكن الاستقرار الحقيقى حين يعرف الانسان انه انسان بحق عندها سيتعلم اين حقوقه و ما هى واجباته ،، وان خرج عن دوره وجد امامه ثورة من جماهير تطيح به لان مصر ليست معقل الفاسدين وليست ملجأ للظالمين ..
ستظل مايكل واسماء ولؤى ووائل ونوارة وكل من حمل على عاتقه راية الحرية وكل شهيد دفع ثمن دماؤه لفك أسرنا .. أسماءً محفوظةً فى قلوبنا ، وسيسجلها التاريخ باحرف كبيرة ..هؤلاء الذين نقتدى بمثالهم وباصرارهم نتعلم منهم .. ان تعيش حرا مكرما ، او تموت شجاعا مرفوع الرأس ، فليس خير الأمور هو الوسط بل أسوأها ! ..  انما الثورة مستمرة الى الأبد ولن تنتهى !
أندرو أشرف
18-8-2011
 -------------------------------------------------------------------------------
(*)الراديكالى : الجذرى الذى يسعى لازالة البناء كاملا ولا يقبل الحلول الوسط .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق