السبت، ١٣ أغسطس ٢٠١١

نيوتن والفتنة الطائفية


نيوتن والفتنة الطائفية..

الجزء الثالث
احترس : هذه الصورة تثير الفتنة الطائفية

ملخص ما سبق

ذكرنا فى الجزءين السابقين ان الانسان فى سلوكه وأفعاله لا يعتمد على الفعل الموجه اليه (كقانون نيوتن) بل حسب ما يمتلئ به عقله الباطن من مبادئ وأفكار و دوافع ومعتقدات قد برمجها الواقع فيظهر سلوك الانسان فى رد الفعل يختلف قوة ومقدارا واتجاها عن الفعل  .. والآن دعونا نعرف كيف نشأ مصطلح الفتنة الطائفية فى مصر منذ اواخر السبعينات وحتى الآن ..
ما اسمك ..؟؟

جرجس فوزى سالم
مينا سامى
اندرو اشرف
مارينا ماجد
ناردين سامح
جوليان رمزى

هكذا أصبحت اسماء مواليد جيل آواخر الثمانينات والتسعينات ، تسعون بالمائة اسماء مسيحية او اجنبية يتبعها اسم الوالد مشتركا ، وبدا للمجتمع اولى عناصر الاستقطاب ، بعد أن دخل المجتمع مصطلحات جديدة لم يكن يدركها وتوغل الاسلام السياسى فى عرق المجتمع المصرى ..
 وظهر صورة قطبى الامة ويرمزان لها بالهلال والصليب وظهرت مسيحى و مسلم بوضوح جلى وببريق لامع بعد ان كان المجتمع يحتوى المسلم والمسيحى واليهودى ولم يفكر أحدا من هذا ومن ذاك..، وخرج عفريت الاسلام السياسى من مخبأه بعد رشوة تعديل المادة الثانية من الدستور وضمها مع تعديل مادة أخرى وهى المادة 77 من دستور 1971 والتى تخول لرئيس الجمهورية صلاحية البقاء والخلود الى يوم الدين وتعديل فقرة مدتين الى "مدد " أخرى .. وهذا هو السبب الحقيقى للمادة الثانية فى الدستور وهو صناعة الديكتاتور..
ظهرت نيران الفتنة حين ظهر ما يعرف باسلمة المجتمع او ما يعرف فى المفهوم الحالى ب "تطهير الأرض" وذلك – كما ذكرت سابقا – لمحاربة اليسار الذين كانوا كالذبابة فى حياة السادات التى تؤرقه .. وبدأ المجتمع فى موجة العند والاحتقان وصارت الأحداث الجارية بين الطرفين هى بمثابة كأس بنزين فى نفس كل واحد لا يسعه سوى فتيلة من نار حتى تشعله وتصب جامات غضبها على صدر الوطن لتحرقه ..
وكرد فعل من أسلمة المجتمع رفض الأقباط هذا الشأن الذى صنف المجتمع الى مسلمين وكفار والى اكثرية و أقلية فسعوا أن يظهروا صورتهم بوضوح ، فكانت أولى تلك المحاولات هى تسمية الأبناء (أبناء هذا الجيل ) بأسماء مسيحية صريحة (مينا – ماريان – مونيكا - ....) ، وظهرت صراحية الاعلان المسيحى فى المجتمع عن طريق ارتداء الصليب عن الصدر (كرد فعل للحجاب ) بكثرة و كذلك دق الصليب (*)  ، وحاول الأقباط على مدى تلك الأوقات بمحاولة استدعاء قوتهم بعددهم .. فتارة يقولون نحن خمسة عشر مليونا وتارة يحاربون كل من يتحدث على انهم اقلية ويحاولون – كرد فعل – بنفى واستنكار تلك الاحصائيات المهملة لهم ..
وأصبحنا نسمع مصطلحات لم تكن فى معجم "لسان مصر" على مدى العصور القديمة (أكثرية – أقلية – حقوق الأقباط – قانون موحد لدور العبادة ...) كل هذا صار كمخازن البترول فى نفوس المجتمع المنتظرة بلهفة تلك الفتيلة المشتعلة ..

أحمد و جورج

 يدخل جورج المدرسة فى بداية حياته لا يعلم أحدا ، يجلس فى اى مقعد ويتعرف على من بجواره ويجد اسمه أحمد ..، يحاولان ان يخترقا حاجز الصمت فيتبادلا الحديث ، يمرحان ، يتبادلا الأرقام ، يساعدا بعضهم فى الدروس ، يتعارف والديهم على بعض ، اذا فاته احمد شيئا مما كتب يسرع بنقله من أخيه جورج و كذلك ان احتاج جورج لمعونة وجد أحمد عونه .. حتى تأتى لحظة الانفصام ، لحظة الصمت والذهول ، لحظة يجد جورج نفسه مسحوبا من يده ويؤخذ خارج الفصل بعيدا عن أخيه لحضور حصة الدين ويدور مع مدرسته مصطحبة التلاميذ كى يجدوا مكانا صغيرا قابعا فى أحد الفصول المتهالكة او الفارغة كى يتعلم من مدرسته الدين .. من هنا تفتحت عينى جورج على الواقع والحياة فعرف ان هناك مسيحى وهناك مسلم وهناك فرق بينه وبين اخيه وليست كل الأوقات يجب ان يكونوا سويا فهناك لحظات يجب ان تفترق الايدى وان يمنع القدر وحدتهم..حتى فى مكان التعلم ..
تعلما الاثنين انهما فصيلان وأصبح فى ذهنهما ان كلاهما مختلفان ،وكرد فعل من عنصرية المجتمع وفرزه يتدخل المتطرفون دينيا فى ابداء وجهة نظره فى الآخر وكيف أن يعامله وأن يتفحصه ويبدا فى ترسيخ ذهنه بقوانين سلوكية مرفوضة تجاه هذا الآخر وربما يزيد تطرفه الى اشعال غيرته واقناعه ان كراهية الآخر هى ضرورة ملحة لاستكمال دينك بل ربما يحرضه على ان القضاء عليه هو الحل !
وعلى الجانب الآخر يحاول الاعلام فى اخماد تلك النار ولكن .. ببنزين آخر !
يشاهدا الطفلان التلفاز فلا يظهر المسيحى فى مشهد الا لسبب انه مسيحى وحتى ان لم يلتفت المُشاهد لاسمه وجب على السيناريست ان يظهر بعض الكلمات فى السياق التى تدل على عقيدته – التى بالمناسبة نادرا ما اسمعها وربما لا ابالغ اذا قلت انى لم اسمعها قبلا – مثل : والمسيح – والعدرا – مجد سيدك – والانجيل – وغلاوة مارجرجس .... تلك الكلمات التى اعتادت السينما المصرية على استخدامها لفرز أبطالها .. وعندما يظهر المسيحى والمسلم سويا فى الافلام يجب ان يخرج علينا كلاهما يتبادلا الأحضان والقبلات وللتأكيد على شعار الثورة :" مسلم ومسيحى ايد واحدة "..

 ‍فى الحقيقة ان كل تأكيد على الوحدة الوطنية هو مولتوفا يُطلق لاشعال فتيلا خامدا لنار الفتنة ...
هذه الصورة تثير الفتنة الطائفية


فأنت عندما تنشر كاريكاتيرا لهلال وصليب يعانقان بعض .. او شيخ وقسيس يتبادلان القبلات والأحضان .. وعندما تكرس للوحدة الوطنية باستمرار – انت تخطئ ذات الخطأ الذى يتكرر وهو الفرز فأنت تعالج جرحا بدواء خاطئ قد يقتل المصاب ، باختصار أنت تزرع دون وعى عكس ما تريد وكما يقول المثل : جه كحلها عماها !

فأنت عندما تتكلم على الوحدة فسريعا ما سيسترجع الذهن المواقف التى استدعت (السبب فى الحديث عن الوحدة) ، واستمرار التحدث على ان المسيحى دا اخويا او المسلم دا حبيبى .. فأنت تزرع فرزا عنصريا فى المجتمع يجعل الآخر يتأكد بان هذا المجتمع به نوعان (المسلم والمسيحى) وأن هناك اسبابا دفينة جعلتك تطالبنى ان اعامل المسلم بأخى وأن المسيحى هو حبيبى – فكأنك تقول بصيغة غير مباشرة انه من المفترض انه عدوى وتدعونى لكى أحبه وان يصير أخى وحبيبى وهذا هو جزء من تانك البنزين الذى يمتلئ دون ادراك  !! -  وعندما تحدث مشكلة بين اى طرفين ستجد كل نوع او فصيل يتكاتف مع بعضه او مع اخيه بالفطرة (التى لم تدعونى اليها ) للاتحاد ضد الآخر الذى تحاول ان تقنعنى انه (اخى) واذا رجعت للسبب تجد انك شاركت فى زراعة الاختلاف الذى انت تريد الغاؤه !


فالعقل لا يقرأ الأمور مباشرة بل ما يحتويه من ذكريات ومبادئ تترجم ما يستقبله ولا يعمل طبقا لقانون نيوتن الثالث !

فكل زرع تزرعه لتأكيد الوحدة الوطنية هو بذرة للفتنة الطائفية ، لان هذا الآخر ينبغى ان تعامله كانسان صادفك القدر ان تصير بجواره وهذه فطرة في الانسان ان يتعامل مع المجتمع كله ، ولكن حين تعطي للعقل مسميات غريبة (احنا اخوات - ايد واحدة ) سريعا ما تشعل فيه من ذكريات الاختلاف .. فاذا أمرت وقلت لك "لا تفكر فى الشيكولاتة .. من فضلك لا تفكر فى الشيكولاتة " فأول شئ يتبادر الى ذهنك الآن هو الشيكولاتة لأن عقلك الباطن يحبها ..
وحين تحاول اخبار العقل باننا اخوات (فسيحاول ان يعرف لماذا تامرنا اننا يجب ان نكون اخوات .. (صناعة الفرز ) ويسترجع العقل الباطن كل الاختلافات الطائفية ..
العقل لا يلتقط الرسالة مباشرة بل كما شرحنا فى المدونتين السابقتين ( الجزء الأول و الجزء الثانى ) أن كل المستقبلات الى العقل لابد ان يعيقها المرشح  ..، ولأن المرشح مشوب باحتقانات فكل ذكرى لمسيحى و مسلم سويا ستكون معكرة حتى ان كانت الذكرى هى "ايد واحدة " هى زرع لحصاد جديد (الفرز المجتمعى)..
أتذكر قديما عندما شاهدت فيلم " ام العروسة " ودور "مرقس أفندى .. لم يظهر بكونه مسيحى ، ولم يحاول المخرج والمصور ان يركزوا على علاقة مرقس (المسيحى ) بجاره (المسلم) ..،فقد ظهر فى أحداث الفيلم كأى ممثل عادى وليس للتدقيق على هويته ان كان مسيحيا او مسلما .. ولأن قديما كانت معظم الاسماء مشتركة فكانت الأفلام لا تعرف تلك العنصرية الملحوظة ولا تهتم ولا تسأل من المسيحى ومن المسلم .. وكان حال المجتمع عكس ما يرثى له الآن ..
فينبغى على الاعلام ان يدرك ان كل المدخلات التى تكرس لكلمة مسيحى ومسلم هى بذرة لحصاد مقبل لمآساة طائفية أخرى
علاج التطرف بالوحدة وعلاج الوحدة بالوحدة وليست بالفرقة والفرز .. حتى ان كان الفرز على حساب انهم "ايد واحدة" فليظهرهم الاعلام فى كل شئون حياتنا كاى بشر عاديين دون ان يلفت نظرى ان هذا (مسلم وهذا مسيحى .. لا وخد بالك كمان .. "دول ايد واحدة .. " !! )

ملحوظة .. هذه التدوينة تثير الفتنة الطائفية ولكنها ايضا تثير اليقظة الوطنية :)

أندرو أشرف
13-8-2011
----------------------------------------------------------------------
(*) دق الصليب هى عادة كانت منتشرة بالأكثر عند أهل الصعيد والآن زادت و أصبحت شائعة ومنتشرة فى مصر كلها وهناك البعض من يرسمون صور القديسين  المسيحيين على اجسامهم كالوشم.


لمتابعة مدونة قلم رصاص على الفيس بوك اضغط هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق